الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٦٥
" من له قدرة على مساعدة فقير، ثم لم يساعده، حتى مات الفقير جوعا، فهو قاتل، ولكن القاتل الأكبر، هو من يقدر بكلمة الله على تحويل الخاطئ للتوبة ولم يحوله، بل يقف كما يقول الله " ككلب أبكم "، ففي مثل هؤلاء يقول الله " أيها العبد الخائن! منك أطلب نفس الخاطئ الذي يهلك، لأنك كتمت كلمتي عنه (1) "!
" إن من يشهد بالله بإخلاص قلب، أن الله منشئ كل صلاح، وأنه هو نفسه منشئ الخطيئة، يكون متضعا "، " الإتضاع الحقيقي، هو مسكنة النفس التي يعرف بها الإنسان نفسه بالحقيقة، ولكن الضعة الكاذبة إنما هي ضبابة من الجحيم تجعل بصيرة النفس مظلمة، بحيث ينسب الإنسان إلى الله، ما يجب عليه أن ينسبه إلى نفسه، وعليه فإن الرجل ذا الإتضاع الكاذب يقول إنه متوغل في الخطيئة، ولكن إذا قال له أحد إنه خاطئ، ثار حنقه عليه واضطهده (2) "!
(د) مراقبة الله في الأكل والشرب:
يقول الغزالي: إنه يجب أن لا يأكل إلا حلالا في نفسه، طيبا في جهة مكسبه " كلوا من الطيبات "، موافقا للسنة والورع، لم يكتسب بسبب مكروه في الشرع ولا بحكم هوى ومداهنة في دين، أو ينوي بأكله أن يتقوى على طاعة الله تعالى، ليكون مطيعا بالأكل (ولا يقصد التلذذ والتنعم بالأكل)، وأن يرضى بالحاضر من الطعام ولا يجتهد في التنعم وطلب الزيادة وانتظار الأدم وفي هذا وفضيلة الأكل للعيش، أو كما يسميها الغزالي فضيلة الجوع، فهم لمعنى الحياة الإنسانية الحق وتجريد لها من خسة شهوة البطن المادية المشاركة لها البهائم فيها، إذ يرى أن في مجاهدة الجوع والعطش صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة (لأن الشبع يورث البلاد ويعمي القلب ويكثر البخار في الدماغ،

(1) راجع ص 291 من إنجيل برنابا.
(2) راجع ص 275 و 276 من إنجيل برنابا.
(٣٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 360 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 ... » »»