عبارة عن ميل النفس إلى موافق ملائم، وهذا إنما يتصور في نفس ناقصة، فإن ما يوافقها تستفيد بنيله كمالا، فتلتذ بنيله، وهذا محال على الله تعالى، فإن كل جمال وبهاء وجلال ممكن في حق الإلهية، وليس في الوجود إلا ذاته وأفعاله فهو إذا لا يحب إلا نفسه، وما ورد من الألفاظ في حبه لعباده فهو مؤول ويرجع معناه إلى الكشف الحجاب عن قلب العبد حتى يراه بقلبه، وإلى تمكينه إياه من القرب منه وإلى إرادته ذلك به في الأزل، وقرب كل واحد من الله بقدر كماله، وسلوك العبد في درجات الكمال متناه، ولا ينتهي إلا لحد محدود، ثم درجات القرب تتفاوت تفاوتا لا نهاية له أيضا، لأجل انتفاء النهاية عن ذلك الكمال!
وثمار المحبة تظهر في القلب واللسان والجوارح، وهي كثيرة، منها: حب لقاء الحبيب بطريق الكشف والمشاهدة في دار السلام، وأن يكون مؤثرا ما أحبه الله تعالى، على ما يحبه في ظاهره وباطنه، وأن لا يكون له تنعم بغيره، وأن يجتنب اتباع الهوى (والمعصية لا تخرجه عن الحب، ولكن تخرجه عن كماله)، وأن لا يفتر لسانه عن ذكر الله، ولا يخلو عنه قلبه، وذكر ما يتعلق به من كلام ورسل، وما ينسب إليه، وحب جميع الخلق، لأنهم خلقه، وأن يكون أنسه بالخلوة ومناجاته لله تعالى وتلاوة كتابه، وأن لا يطمئن إلا بالله " ألا بذكر الله تطمئن القلوب "، وأن لا يتأسف على ما يفوته مما سوى الله عز وجل، ويعظم تأسفه على فوت كل ساعة خلت عن ذكر الله تعالى وطاعته، فيكثر رجوعه عند الغفلات بالتوبة، وأن يستقبل كل شئ بالرضا، ويذكر قوله تعالى " وعسى أن تكرهوا شيئا، وهو خير لكم "، وأن يتنعم بالطاعة (ولا يستثقلها) ويسقط عنه تعبها، وأن يكتم الحب ويجتنب الدعوى ويتوقى من إظهار الوجد والمحبة، تعظيما للمحبوب وهيبة منه وغيره على سره، لذا يذم الشطح بدعاوى طويلة عريضة في العشق مع الله تعالى والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة، كدعوى الاتحاد)، وأن يأنس بالله، ويرضى بكل حكم نازل (1).