الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٣٩
إما لغرض آجل وهو الثواب، أو عاجل وهو الثناء، ثم إن الله أنعم على العالمين، إحسانا إليهم ولأجلهم، بإيجادهم وتكميلهم وترفيههم وتنعيمهم (لا لحظ وغرض يرجع إليه، فإنه يتعالى عن الأعراض)! وثالث أسباب الحب، أن يحب الشئ لذاته، لا لحظ ينال منه وراء ذاته (وذلك كحب الجمال)، فإذا ثبت أن الله جميل، كان لا محالة محبوبا عند من انكشف له جماله وجلاله، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله جميل يحب الجمال "، فالحسن ليس مقصورا على مدركات البصر، وإن كل شئ جماله أن يحضر كماله اللائق به والممكن له، ومن أمثلة جمال الصور الباطنة جمال العلم والقدرة والكمال، والله هو أجل المعلومات، فأحسن العلوم وأشرفها معرفته، ويختص به، ولا يتصور كمال التقدس والتنزه إلا للواحد الحق، فالكمال لله وحده، وليس لغيره كمال إلا بقدر ما أعطاه الله، فهو المنفرد بالكمال، المنزه عن النقص، المقدس عن العيوب، فالجميل المطلق هو الله!
ورابع أسباب الحب هو لذة جمال المعاني والصور، وحب المعاني الباطنة أكثر من حب المعاني الظاهرة، عند ذوي البصائر.!
وخامس أسباب الحب هو المناسبة الخفية (تناسب الأرواح) بين المحب والمحبوب، والتعارض والتناسب أيضا يقتضي حب الله تعالى، لمناسبة باطنة هي قرب العبد من ربه عز وجل في الصفات التي أمر فيها بالاقتداء، والتخلق بأخلاق الربوبية، وذلك في اكتساب محامد الصفات، على أن الروح أمر رباني " قل الروح من أمر ربي "، " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي "!
ويقول الغزالي إنه لو اجتمعت أسباب الحب في شخص واحد، تضاعف الحب لا محالة، ولا محبوب بالحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالى، ولا مستحق للمحبة سواه، لأنها مجتمعة في حقه تعالى بجملتها في أقصى درجات الكمال، ولا يوجد في غيره إلا آحادها، ووجودها في حق غيره وهم وتخيل، ومجاز محض لا حقيقة له!
ويقول الغزالي إن مقتضى سنة الله تعالى أن النفس تحجب بعوارض البدن ومقتضى الشهوات وما غلب عليها من الصفات البشرية، عن مشاهدة المعلومات
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»