الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣٣٨
كل مختار الإيمان على يديه، فالإيمان واحد، كما أن الله واحد، لذلك لما خلق الله قبل كل شئ رسوله، وهبه قبل كل شئ الإيمان الذي هو بمثابة صورة الله وكل ما صنع الله وما قال، فيرى المؤمن بإيمانه كل شئ، أجلى من رؤيته إياه بعينه "، " صدقني أنه بالإيمان يخلص كل مختاري الله، ومن المؤكد أنه بدون إيمان لا يمكن لأحد أن يرضي الله، ولذلك لا يحاول الشيطان إن يبطل الصوم والصلاة والصدقات والحج، بل هو يحرض الكافرين عليها، لأنه يسر أن يرى الإنسان يشتغل بدون الحصول على أجرة، لن يحاول جهده بجد أن يبطل الإيمان، لذلك وجب بوجه أخص أن يحرص على الإيمان بجد، وآمن طريقه لذلك أن تترك لفظه لماذا، لأن لماذا أخرجت البشر من الفردوس (1) ".
(5) حب الله تعالى:
يقول الغزالي: " إن البصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر، والقلب أشد إدراكا من العين، وجمال المعاني المدركة بالعقل، أعظم من جمال الصور الظاهرة لأبصار، فتكون لا محالة لذة القلب بما يدركه من الأمور الشريفة الإلهية التي تجل عن أن تدركها الحواس، أتم وأبلغ، فيكون ميل الطبع السليم والعقل الصحيح إليه أقوى "، ولكي يبين الغزالي تحقيق معنى محبة العبد لله تعالى بين لنا أسباب المحبة عموما، ثم ذكر أدلة وجودها، بل قوة هذه الأدلة في الله فيقول إن المحبوب الأول عند كل حي نفسه وذاته، ومن عرف نفسه وعرف ربه، عرف قطعا أن لا وجود له من ذاته، وإنما وجود ذاته ودوام وجوده وكمال وجوده، من الله تعالى وإلى الله وبالله، ومن خلا عن هذا الحب، فلأنه اشتغل بنفسه وشهواته، وذهل عن ربه، وخالقه، فلم يعرفه حق معرفته! وثاني أسباب الحب هو الإحسان، ولو عرف الإنسان حق المعرفة، لعلم أن المحسن إليه هو الله تعالى فقط، وهو المستحق لهذه المحبة وحده، وأن الإحسان من الناس غير متصور إلا بالمجاز (فالله المحسن هو الذي اضطر المحسن إليك وسخره،

(1) راجع ص 139 - 141 من إنجيل برنابا.
(٣٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 ... » »»