الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣١٠
فما ذنبي وما جرى يا رب أحل عليه العذاب، ونجني "، قال: فيضرب الله تعالى لهما مثلا، كالأعمى والمقعد يصطحبان، أما الأعمى، فلا يبصر، والمقعد لا يقدر على المشي، فبلغا إلى بستان، فجلسا وتشاورا وطلبا حيلة، فقال الأعمى " أنا لا أبصر، فمر أنت وآت بالعنب "، وقال المقعد " بل مر أنت! فإني لا أقدر على المشي "، ثم تناظروا وتناصفا، وقالا " هذا " هذا أمر لا يتم بأمر دون الآخر، يا أعمى قم أنت فارفعني، حتى أتسلق الحائط، وأقطف العنب "، فلما توافقا، قطعا العنب وأكلاه، وقال المقعد " لولا أنت يا أعمى، لما أكلت! " وقال الأعمى " لولا أنت يا مقعد، لما أكلت! ".
ونحن لم ننكر تمتع الروح والجسد، فالذي يحتمل الجدال، ليس ذكر أن النعيم سيلحق الجسم والروح، أم لا،؟ لأنا على ذلك، بل هل أغلب اللذات سيكون حسيا أو روحيا؟
على أن وجود الأشياء الحسية في الجنة، لا يعني أن التمتع سيكون حسيا مطلقا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يجب ملاحظة تغيير ما في طبيعة الإنسان ونشأته في الدنيا، عنها في الآخرة، لوجود قوى نفسية نازعة للبهيمية، وعدم إمكان تصور هذا في الآخر، على فهم أن أصحاب الجنة لم يصلوا إليها إلا لأنهم فهموا خصائص الروح، وتمتعوا كثيرا، كل حسب درجته بلذاتها، فلا يعقل أن يكون حبهم للذة الروحية في العالم الثاني، أقل من حبهم لها في عالمهم الدنيوي!
ثم إن للجو حكمه فجو الجنة جو روحي، لا يمكن أن يعمد إنسان إلى الخروج عنه! على أن الحسيات لها بعض العناية بها، وللذاتها بعض الرغبة فيها، على أن تكون ثانوية وتابعة، وعلى أن تنحو نحو الفكرة الروحية!
ويكفي أصحاب النظرية الحسية، من علامات روحية اللذات في الجنة، أن أصحاب الجنة سيكونون ولا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، يسبحون الله بكرة وعشية، وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد الله رب العالمين (1)!

(١) هذا ردنا رد على رد أستاذنا المرحوم الدكتور زكي مبارك في العدد ٣١٦ من الرسالة. راجع ص ١٨٠٣ و ١٨٠٤ من العدد ٣٢٣ من مجلة الرسالة ص ٨ لمحمود علي قراعة.
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»