الثقافة الروحية في إنجيل برنابا - محمود علي قراعة - الصفحة ٣١٢
كما قال الأصفهاني - لذة الآخرة على الحقيقة إلا إذا طالعناها، فإذا طالعناها شغلنا الفرح والتلذذ بها عن كل ما دونها، كما قال تعالى " أصحاب الجنة اليوم، في شغل فاكهون "، لا أخذا منا بالنظرية التصويرية، التي يقول بها الأصفهاني كما ذكرنا، بل ميلا منا إلى القول بأنه إذا عرفنا لذة الرضوان ولذة السلام الروحية، فستكون كل اللذات ثانوية، وتقل عنايتنا بها، حتى نسموا بها إلى جعلان تنزع منزعا روحيا، وبذا نترك للحسن القليل من اللذات، ونعني كل العناية باللذة الكبرى لذة الروح!
صور لنفسك هذا العالم، بعد أن تصور لها خلوه من الآلام وخلوه من الشرور، حتى خلوه من كثير مما نعده خيرا في عالمنا، ثم بعد ذلك استفت قلبك، فيريك أن أهله يأكلون ويشربون، ويمزجون أكلهم وشربهم بما هو أسمى من الأكل والشرب، وأنهم ينظرون لما أوتوا من حور وولدان نظرات أسمى من نظراتنا، وأنهم في تنقلهم بين قصورهم وجناتهم، لهم غذاء هو الفضيلة الوحيدة التي ستبقى لهم، وفيها كل معاني الفضائل الأخروية والدنيوية، فضيلة الحب!
مثل لنفسك أنهم سيحيون بالحب، وأنهم سينعمون بحب الله وحب ما آتاهم الله وحب ما أنعم به عليهم، وأنهم سيلهمون التحميد والتسبيح، كما نلهم النفس في دنيانا، واستفت قلبك... يرشدك لخير سبيل!
تصويرنا للذين الحبة والروحية:
فيجب على كل نصير للنظرية الحسية، أن يرى أن أقل ما يمكن تصوره في عالم سيخلو من البؤس والفقر والهرم، ولن تهئ طبيعته المجال لظهور الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة وما يدخل تحت كل منها من فضائل إنسانية، إن ينعم الناس فيه بالاتحاد والمحبة، فتتاح لهم أنواع المحبة من إلهية وصداقة أخوية، وفهم نزوع الأشياء المادية التي ستوجد هناك، إلى التمتع بالنشوة الروحية لوجودها، وأن ليس معنى هذا خلو الجنة من استلذاذا بالحور العين الاستلذاذ الحسى أو بما هنالك من مأكل ومشروب وحلي وحلل، وبذا نضع
(٣١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 307 308 309 310 311 312 313 314 315 316 317 ... » »»