أشد الجهاد - الشيخ داود الموسوى البغدادى - الصفحة ٣٣
مع أن أصل المسألة في اختلاف المذاهب الصادقين لا المبتدعين المارقين مأخوذ من الكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمنا ها سليمان وكلا أتينا حكما وعلما فأثنى الله على داوود وسليمان وأن الله أتاهما حما وعلما مع أن الصواب كان في جانب سليمان وأن داود عليه السلام كان مجتهدا بخلافه وما ذمه الله بل مدحه بالحكم والعلم فدل على أن اختلاف المجتهدين كذلك لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث الصحيحين إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد والحديث الصحيح الذي مر في الصحابة واختلاف التابعين والمذاهب ناشئ عن اختلافهم بل الاختلاف من تنويع النبي صلى الله عليه وسلم الأحكام بالاختلاف لأنه حكيم القلوب والأبدان والشرع فخاطب كل شخص أو جماعة بما يليق بحالهم فأصل الاختلاف من ذلك فكان منه ومن أصحابه ومن بعدهم في الفروع رحمة لقوله تعالى ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم وأخرج ابن سعد والبيهقي عن أبي بكر رضي الله عنه وكرم وجهه أنه قال كان اختلاف أصحاب محمد رحمة للناس وأخرج بن سعد عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلفون وفي رواية ما يسرني باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حمر النعم لأنهم لو لم يختلفوا لم يكن رخصة ولما أراد هارون الرشيد أن يعلق موطأ ما لك في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه قال له مالك لا تفعل يا أمير المؤمنين فإن أصحاب رسول الله اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان وأن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالى على هذه الأمة وكل يتبع ما صح عنده وكل مصيب وكل على هدى فقال له هارون وفقك الله يا أبا عبد الله ووقع له مثل ذلك مع المنصور جد هارون أيضا لما أراد أن يرسل إلى كل مصر نسخة من كتب مالك ويأمرهم أن يعملوا بما فيها ولا يتعدوا إلى غيره فقال له لا تفعل هذا فإن الناس قد سبقت إليهم أقاويل وسمعوا أحاديثا ورووا روايات وأخذ كل قوم بما سبق إليهم ودانوا به من اختلاف الناس فدع الناس وما اختاروا من كل بلد منهم لا نفسهم وبما
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»