تقرر يظهر اتجاه القول بأن كل مجتهد مصيب وأن حكم الله في كل واقعة تابع لظن المجتهد وقد قال صاحب جمع الجوامع والمتكلمون عليه ونعتقد أن أبا حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسائر أئمة المسلمين على هدى من الله ولا التفات إلى من تكلم فيهم بما هم بريئون منه فقد كانوا من العلوم اللدنية والمواهب الإلهية والاستنباطات الدقيقة والمعارف الغزيرة والدين والورع والعبادة والزهادة والجلالة بالمحل الذي لا يسامى (انتهى) ورأى بعض الأئمة النبي صلى الله عليه وسلم وسئله عن اختلاف المجتهدين فقال كل في اجتهاده مصيب فذكر له الرائي قول أبي حنيفة المجتهدان مصيبان والحق في واحد وقول الشافعي المجتهدان مصيب ومخطئ معفو عنه فقال صلى الله عليه وسلم هما قريبان في المعنى وإن كانا مختلفين في اللفظ فقلت أيهما أولى بالأخذ من الفريقين فقال صلى الله عليه وسلم كلاهما على الحق ومنها عليك أن تعلم وتعتقد أن اختلاف أئمة المسلمين من أهل السنة والجماعة في الفروع نعمة كبيرة ورحمة واسعة وفضيلة واضحة وله سر لطيف أدركه العلماء العاملون وعمى عنه الجاهلون حتى قال بعضهم النبي صلى الله عليه وسلم جاء بشرع واحد فمن أين مذاهب أربعة ووجه ذلك أن الله تعالى خص هذه الشريعة برفعه عن أهلها الآصار والأثقال التي كانت على الأمم قبلها وقد تقرر أن شرايع الأنبياء شرايع له زيادة في تعظيمه فالشرايع التي استنبطها أصحابه وتابعوهم بإحسان من أقواله وأفعاله على تنوعها شرايع متعددة له من باب أولى خصوصا وقد أخبر بوقوعها ووعد بالهداية على آخذيها ورضي بها ومدحنا عليها وجعل ذلك رحمة ومنة أي منة كما مر بيان ذلك (انتهى) كلام السيوطي ملخصا من جزيل المواهب في اختلاف المذاهب وتبعه ابن حجر في الخيرات الحسان وقال بن حمدان الحنبلي في آداب المفتي والمستفتي بعد ذكر كثير من تحاشى السلف عن الفتيا وهو من أهل الستمائة بعد الهجرة (قلت) فكيف لو رأى زماننا وإقدام من لا علم عنده على الفتيا مع قلة خبرته وسوء سيرته وشوم سريرته وإنما قصده السمعة والريا والتعلي على الناس ومماثلة الفضلاء والنبلاء المشهورين الكاملين والعلماء الراسخين المتبحرين من السابقين ومع هذا فهم ينهون فلا ينتهون قد أحلى لهم الشيطان بانعكاف
(٣٤)