ويحتمل أن يكون المراد به كفران النعمة، والسبب فيه أن العبادة نهاية التعظيم، ونهاية التعظيم لا تليق إلا بمن يصدر عنه غاية الإنعام وذلك المنعم؟ هو الله سبحانه وتعالى وهذه المعبودات لا مدخل لها في الإنعام.
فالاشتغال بعبادتها يوجب كفران نعمة المنعم الحق، فقد صرح الضالون بأنهم عبدوها من دون الله وعللوا عبادتهم لها بتعليل فاسد، وهو تقريبها لهم إلى الله أي عللوا فعلهم، وعلة القياس الشرعية أنما هي للحكم، أي بالتحريم أو الحلية مثلا، لا لنفس الفعل، كالحكم بحرمة شرب النبيذ قياسا على الخمر بجامع الاسكار في كل منهما، وهذا عند علماء الأصول أوضح من الشمس متفق عليه، وإنما يكون تعليل المشركين فعلهم علة شرعية لو قال تعالى مثلا: حرمت عبادة الأصنام لإرادة نفع الجاه منها أو أومأ إلى ذلك أو نبه بمسلك من مسالك العلة عليه، ولم يقل تعالى ذلك ولم يشر إليه بحال، بل أشار تعالى في مواضع كثيرة إلى أن العلة في تحريمها وتكفير فاعلها عدولهم بها عن خالقهم المستحق لها ووضعهم الشئ في غير محله، ومنها قوله تعالى هنا: (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار)، فقد أخبر تعالى فيها بنفي الهداية عن الراسخ في الكذب المبالغ في الكفر منبها على فساد تعليلهم ومداومتهم على عبادة المخلوق بصيغة المبالغة، وابن تيمية صدقهم في تعليلهم الفاسد، فقاس المسلمين المتوسلين بالنبي صلى الله تعالى عليه وسلم عليهم، قال التوسل على العبادة والمتوسل على العابد للمخلوق، فأوغل في بيداء القياس الفاسد دفعتين بناهما على تعليلهم الفاسد، وما بني على الفاسد فاسد، ولم يصدق المسلمين في قولهم إنهم يحبون خليفة أو عالما أو شيخا لله تعالى، بل كفرهم وحمل عليهم قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله)، في كلامه الذي أبطلته سابقا، محققا مؤيدا رأى أسلافه الحروريين الحاملين للآيات الواردة في الكفار على المسلمين، معلوم عند كل عاقل أن التوسل عمل، والعبادة عمل آخر وقد تقدم الكلام عليهما مفصلا موضحا.