إن صاحب هذا الرأي هو ابن تيمية الذي شاد بذكره قال: إن الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة، وأما توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله رب العالمين المتصرف في أمورهم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله).
ثم قالوا: إن الذين يتوسلون بالأنبياء ويتشفعون بهم وينادونهم عند الشدائد هم عابدون لهم قد كفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان والملائكة والمسيح سواء بسواء، فإنهم لم يكفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان وما معها بل بتركهم توحيد الألوهية بعبادتها، وهذا ينطبق على زوار القبور المتوسلين بالأولياء المنادين لهم المستغيثين بهم الطالبين منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، بل قال محمد بن عبد الوهاب:
(إن كفرهم أشنع من كفر عباد الأوثان، وإن شئت ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة)، فهذا ملخص مذهبهم مع الإيضاح، وفيه عدة دعاوى.
فلنعرض لها على سبيل الاختصار، ولنجعل الكلام في مقامين فنتاحكم إلى العقل ثم نتحاكم إلى النقل، فنقول: قولهم = إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية تقسيم غير معروف لأحد قبل ابن تيمية، وغير معقول أيضا كما ستعرفه، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد دخل في الإسلام إن هناك توحيدين وأنك لا تكون مسلما حتى توحد توحيد الألوهية، ولا أشار إلى ذلك بكلمة واحدة، ولا سمع ذلك عن أحد من السلف الذين يتبجحون باتباعهم في كل شئ، ولا معنى لهذا التقسيم فإن الإله الحق هو الرب الحق، والإله الباطل هو الرب الباطل، ولا يستحق العبادة والتأليه إلا من كان ربا، ولا معنى لأن نعبد من لا نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضر فهذا مرتب على ذلك كما قال تعالى: (رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته).
فرتب العبادة على الربوبية، فإننا إذا لم نعتقد أنه رب ينفع ويضر فلا معنى لأن نعبده = كما قلنا = ويقول تعالى: (ألا يسجدوا الله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض)، يشير إلى أنه لا ينبغي السجود إلا لمن ثبت اقتداره التام، ولا معنى لأن يسجدوا لغيره. هذا هو المعقول، ويدل عليه القرآن والسنة.