وأما الرابعة: وهي زعمه أنهم عظموا المشاهد، أي المبينة على القبور فهي كذب مكشوف لأن تعظيمهم إنما هو لمن في المشاهد من الأنبياء والصالحين لا لذات المشاهد، وتعظيم من فيها من الأنبياء والصالحين إذا لم يتجاوز مراتبهم التي جعلها الله لهم فهو من الدين، والتعظيم محله القلب ولا يعلم ما فيه من الاعتدال والغلو في تعظيم المعظم إلا الله سبحانه وتعالى.
فالمسلمون لا يعظمون قبره صلى الله تعالى عليه وسلم لذاته وإنما يعظمونه لساكنه عليه الصلاة والسلام، ولا يكابر في هذا إلا مطموس البصيرة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد)، ولا شك أن الله تبارك وتعالى قد استجاب دعاءه.
(فقوله يدعون بيوت الله التي أمر أن يذكر فيها اسمه ويعبد وحده لا شريك له) ثرثرة مؤكدة للبهتان الذي لطخ به المسلمين.
(وقوله): (ويعظمون المشاهد التي يشرك فيها ويكذب فيها إلى قوله فإن الكتاب)، تهجم مكرر على قلوب المسلمين المعظمين للأنبياء والصالحين وحكم فائل عليهم بالشرك والكذب والابتداع يعامله الله عليه بما يستحقه، وبهذره هذا تمسك مقلدوه تمسك الغريق بالغريق فنبزوا جميع المسلمين الزائرين للقبور ب (القبورية) و (عباد القبور).
وحكم ابن عبد الوهاب بكفر أهل كل بلدة فيها قبة على قبر زاعما أنها صنم يعبد من دون الله كما في أول الفصل الثالث عشر من " مصباح الأنام وجلاء الظلام " للسيد الحداد، هكذا يقف هذا المفتتن به بفهمه ومقلديه في جانب والرسول صلى الله تعالى عليه وسلم وأمته المرحومة في جانب آخر.
فالرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بزيارة القبور أمرا مطلقا ولم يقل لا تزوروها إلا للاعتبار = كما زعم هو = ولم يقل لا تزوروها إذا كان عليها مشاهد فإن المشاهد بعظم ويشرك فيها ويكذب فيها إلى آخر هذيانه، ولم يقل كل بلدة فيها قبة على قبر فأهلها مشركون كفار، فإن كان بناء المشاهد على القبور شركا وعبادة لها أو لمن فيها وزائر وتلك القبور المبني عليها مشركون عبدة لها، وعلم النبي صلى الله تعالى عليه وسلم هذا كله ولم يبينه لأمته بيانا شافيا وهو المبين للناس ما نزل إليهم، فقد كتم وحي الله،