متى كان كذلك كان حراما، ولا شك أن بلالا وغيره من السلف وإن سلمنا أنهم ما قصدوا إلا السلام فإنهم يعتقدون ذلك قربة.
فلو شعر ابن تيمية أن بلالا وغيره من السلف فعل ذلك لم ينطق بما قال ولكنه قام عنده خيال إن هذه الزيارة فيها نوع من الشرك ولم يستحضر أن أحدا فعلها من السلف فقال ما قال وغلط فيما حصل له من الخيال وفي عدم الاستحضار، ودعواه أنه لو نذر ذلك لم يجب عليه الوفاء به بلا نزاع بين الأئمة نحن نطالبه بنقل هذا عن الأئمة، وتحقيق أنه لا نزاع بينهم فيه، وبتقرير كون ذلك عاما في قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وغيره ليحصل مقصوده في هذه المسألة التي تصدينا لها، ومتى لم تحصل هذه الأمور الثالثة لا يحصل مقصوده، وليس إلى حصولها سبيل، ونحن قد نقلنا أن زيارة قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تلزم بالنذر وعلى مقتضاه يلزم السفر إليها أيضا بالنذر على الضمد مما قال.
وأما قوله إن الصحابة لما فتحوا الشام لم يكونوا يسافرون إلى زيارة قبر الخليل وغيره من قبور الأنبياء التي بالشام فلعله لأنه لم يثبت عندهم موضعها فإنه ليس لنا قبر مقطوع به إلا قبره صلى الله تعالى عليه وسلم.
وأما قوله ولا زار النبي صلى الله تعالى عليه وسلم شيئا من ذلك ليلة أسري به فلعله لاشتغاله بما هو أهم، وقد تحققنا زيارته صلى الله تعالى وسلم القبور بالمدينة وغيرها في غير تلك الليلة، فليس ترك زيارته في تلك الليلة دليلا على أن الزيارة ليست بسنة.
فالتشاغل بالاستدلال بذلك تشاغل بما لا يجدي، وأما قوله إن الحديث الذي فيه هذا قبر أبيك إبراهيم فانزل فصل فيه وهذا بيت لحم مولد أخيك عيس انزل فصل، كذب لا حقيقة له، فصدق فيما قال.
ثم أفاض في طرق هذا الحديث ثم قال: وإنما تكلمنا على هذا الحديث للتنبيه على الفائدة فيه، وليس بنا ضرورة إلى إثباته أو نفيه في تحقيق المقصود، ولما سبق أن عدم الزيارة في وقت خاص لا يدل على عدم الاستحباب، وقوله إن الصحابة لم يكونوا يزورون شيئا من هذه البقاع والآثار، فكلامنا إنما هو في زيارة ساكن البقعة لا في زيارة