(جاؤوك) مطلق والمطلق لا دلالة له على كل فرد وإن كان صالحا لها لأنا نقول هو في سياق الشرط فيعم، فمن حصل منه الوصف المذكور وجد الله توابا رحيما.
(2): السنة من عموم قوله: (من زار قبري) فإنه يشمل القريب والبعيد والزائر عن سفر وعن غير سفر كلهم يدخلون تحت هذا العموم لا سيما قوله في الحديث الذي صححه ابن السكن (من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي) فإن هذا ظاهر في السفر بل تمحيض القصد إليه وتجريده عما سواه، وحالة الموت مرادة منه إما بالعموم وإما أنها هي المقصود.
(3):
السنة أيضا لنصها على الزيارة، ولفظ الزيارة يستدعي الانتقال من مكان الزائر إلى مكان المزور كلفظ المجئ الذي نصت عليه الآية الكريمة، فالزيارة إما نفس الانتقال من مكان إلى مكان بقصدها، وإما الحضور عند المزور من مكان آخر، وعلى كل حال لا بد في تحقيق معناه من الانتقال، فالسفر داخل تحت اسم الزيارة، فإذا كانت كل زيارة قربة كان كل سفر إليها قربة.
وأيضا فقد ثبت خروج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من المدينة لزيارة القبور، وإذا جاز الخروج إلى القريب جاز إلى البعيد، وثبت خروجه صلى الله تعالى عليه وسلم لقبور الشهداء، وإذا ثبت مشروعية الانتقال إلى قبر غيره فقبره صلى الله تعالى عليه وسلم أولى.
(4): الاجماع لإطباق السلف والخلف فإن الناس لم يزالوا في كل عام إذا قضوا الحج يتوجهون إلى زيارته صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يفعل ذلك قبل الحج = هكذا شاهدناه وشاهده من قبلنا وحكاه العلماء عن الأعصار القديمة كما ذكرناه في الباب الثالث = وذلك أمر لا يرتاب فيه، وكلهم يقصدون ذلك ويعرجون إليه وإن لم يكن طريقهم، ويقطعون فيه مسافة بعيدة وينفقون فيه الأموال ويبذلون فيه المهج، معتقدين أن ذلك قربة وطاعة، وإطباق هذا الجمع العظيم من مشارق الأرض ومغاربها على ممر السنين وفيهم العلماء والصلحاء وغيرهم يستحيل أن يكون خطأ، وكلهم يفعلون