والتجصيص في هذه الأخبار بسياق واحد فالأولى فيه الكراهة ويدل عليها ما مر من الرواية عن علي أنه كان يقعد على القبر وكذلك حمل الشافعي عدم زيادة التراب وعدم رفع القبر كثيرا على الاستحباب قال السيوطي في شرح سنن النسائي: قال الشافعي والأصحاب يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه لهذا الحديث (يعني حديث أو يزاد عليه لئلا يرتفع القبر ارتفاعا كثيرا " انتهى " (أما) ما حكاه عن الأئمة أنه رآهم بمكة يأمرون بهدم ما يبنى فلعله لزعمهم أنها مسبلة وقد عرفت في جواب الدليل الثالث أنه لا دليل على الوقف والتسبيل وأنه يجب حمل البانين على الصحة حتى يعلم الفساد ولم يعلم وحينئذ فيكون الهدم محرما لأنه تصرف في مال الغير بغير إذنه أما ما أيد به النووي من قوله ولا قبرا مشرفا إلا سويته فلا تأييد فيه لما عرفت من أن المراد به النهي عن التسنيم وعدم جواز إرادة الهدم من التسوية ومن ذلك يظهر أن استشهاد بعض الوهابيين في رسالة الفواكه العذاب بقول النووي قال الشافعي في الأم الخ شاهد عليه لا له فإن الشافعي يقول بكراهة البناء إذا كان في ملكه والوهابيون يحرمونه مطلقا وقد استشهد صاحب الرسالة أيضا بكلام الأذرعي وابن كج الذي لا يرجع إلى دليل غير مجرد التهويل بقوله إنه مضاهاة للجبارة والكفار وأي فائدة في قال فلان وقال فلان (ومما) مر ويأتي يظهر الجواب عن المحكي عن عمر من أمره بتنحية القبة " أي الخيمة " عن القبر وقوله دعوه يظله عمله فإنه بعد تسليم ثبوته وحجيته محمول على الكراهة أو صورة عدم النفع فيكون تضييعا للمال كما يرشد إليه قوله دعوه يظله عمله أي لا نفع له في ذلك وإنما ينفعه عمله ويعارضه ما مر في الباب الثاني. ويأتي في فصل اتخاذ المساجد من رواية البخاري أنه لما مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته القبة على قبره سنة.
(رابعا) إن هذه الأحاديث مع الغض عن ضعف أسانيدها ودلالتها واضطراب متنها منصرفة إلى غير ما يكون تعميره وتشييده والبناء فوقه من تعظيم شعائر الله وحرماته لكون صاحبه نبيا أو وليا أو صالحا ولكونها بنيت لمصالح في الدين مهمة. منها أن تكون علامة ومنارا للقبر الذي ندب الشرع إلى زيارته كما يأتي في فصل الزيارة وحفظا له عن الاندراس. وقد علم رسول الله " ص " قبر عثمان بن مظعون بصخرة وضعها عليه (روى)