قال: ونهى " ص " أن يزاد عليها غير ترابها وأنتم تزيدون التابوت والجوخ ومن فوق ذلك القبة العظيمة المبنية بالأحجار والجص " انتهى " ولم يعلم أن النهي عن زيادة التراب لا يدل على النهي عن وضع التابوت والجوخ وعمل القبة عند من يفهم معاني الألفاظ سيما عند من يبالغ في الاقتصار على مدلول الألفاظ كالوهابية في بعض حالاتهم مع أن النهي عن زيادة التراب هو للكراهة كما ستعرف ولا يعلم سره ولا حكمته ولا يشمل ذلك وضع التابوت والجوخ وبناء القبة لا لغة ولا عرفا فإن الزيادة على الشئ تكون من جنسه وسنخه فلو قال المولى لعبده لا تزد على هذا السمن أو الزيت أو اللبن فلا يفهم منه أنك لا تضع فوقه صندوقا أو ماعونا أو ثوبا أو لا تبن فوقه بيتا أو لا تنصب خيمة لأن ذلك لا يعد زيادة عليه لغة ولا عرفا فعمل الصندوق ووضع الجوخ وعقد القبة كلها من احترام القبر الذي ثبت أن له حرمة وشرفا بمن حل فيه فهو راجح لا محذور فيه.
(ثالثا) إن النهي أعم من الكراهة والتحريم وهب أنه ظاهر في التحريم لكن كثرة استعماله في الكراهة كثرة مفرطة مضافا إلى فهم العلماء منه الكراهة هنا يضعف هذا الظهور (قال النووي) في شرح صحيح مسلم في هذا الحديث كراهة تجصيص القبر والبناء عليه وتحريم القعود هذا مذهب الشافعي وجمهور العلماء " إلى أن قال " قال أصحابنا تجصيص القبر مكروه والقعود عليه حرام وكذا الاستناد إليه والاتكاء عليه وأما البناء فإن كان في ملك الباني فمكروه وإن كان في مقبرة مسبلة فحرام نص عليه الشافعي والأصحاب قال الشافعي في الأم رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما بني ويؤيد الهدم قوله ولا قبرا مشرفا إلا سويته " انتهى " (والحق): الكراهة في الكل كما هو مذهب أئمة أهل البيت وفقهائهم لعدم ظهور النهي في مثل هذه المقامات في التحريم مع كثرة استعماله في الكراهة كثرة مفرطة. (هذا) إذا لم يترتب على بناء القبر منفعة ولم يكن تعظيمه من تعظيم شعائر الدين لكونه قبر نبي أو ولي أو نحو ذلك لما ستعرف من توافق المسلمين من عهد الصحابة إلى اليوم على تعمير قبور الأنبياء والأولياء ومنها قبر النبي (ص) وحجرته التي دفن فيها وكراهة البناء والتجصيص مذهب الشافعي كما عرفت إلا أن يكون البناء في مقبرة مسبلة مع أن بعضهم قال إن الحكمة في النهي عن التجصيص كون الجص أحرق بالنار وحينئذ فلا بأس بالتطيين كما نص عليه الشافعي " انتهى " نقله السندي في حاشية سنن النسائي وذلك يناسب الكراهة لكن الشافعي حرم القعود مع أنه مسوق مع البناء