الفجر الصادق - جميل صدقى الزهاوي - الصفحة ٩
يسوسها وترجع إليه في تدبير شؤونها أمر يكاد يكون طبيعيا يوجد حتى في القبائل المتوحشة بل حتى في الحيوانات كالنحل والنمل لا تعيش بدون ملك تنقاد إليه وتتبعه في حلها وترحالها وتبجله وتؤثره على نفسها فيما تصيب من الخير فما ظنك بالانسان العاقل المرتقى في مدراج الكمال والتقدم وأن مثل الإسلام والسلطان مثل العمود والفسطاط فالفسطاط الإسلام والعمود السلطان والأوتاد الناس ولا يصلح بعضها إلا ببعض (لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم * ولا سراة إذا جهالهم سادوا) (والبيت لا يبتني إلا له عمد * ولا عماد إذا لم ترس أوتاد) (وإن تجمع أوتاد وأعمدة * يوما فقد بلغوا الأمر الذي كادوا) وأما وجوب طاعته نقلا فحسبك ما أمرنا به الله تعالى في محكم كتابه فقال جل من قائل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه لما نزلت هذه الآية أمرنا بطاعة الأئمة وطاعتهم من طاعة الله وعصيانهم من عصيان الله فالمقصود من أولي الأمر هو أمراء المسلمين كما يقتضيه كلام أبي هريرة رضي الله عنه أما ما ذهب إليه المخالفون من أن المقصود بهم هو العلماء فلا اعتداد به إذ هو مناف لما يدل عليه ما قبل هذه الآية الشريفة من قوله تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) قال المخالفون إن الذين يحكمون بين الناس هم العلماء لا غير فترد عليهم أن تقييد الحكم بالعدل صريح في أنه ليس من الحكم في المسائل الشرعية التي يراجع فيها العلماء بل هو من الحكم في المظالم والخصومات التي يراجع في حسمها الأمراء ويؤيده ما في الآية من العموم المفهوم من قوله تعالى أن تحكموا وكذلك يؤيده العموم الذي في قوله بين الناس فإن الأمير
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»