الفجر الصادق - جميل صدقى الزهاوي - الصفحة ١٣
وتعديدها. فلا تخلو في عصره عصر العلم والعرفان بلدة من البلاد بل ولا قرية من القرى عن وجود مدارس ينتابها المتعلمون ويتردد إليها المعلمون فيقتبسون من نبراس العلم ما تتنور به عقولهم وتنمحي به ظلمات جهلهم ويكتسبون ما يدر بهم في أمر المعاش فيتخرجون منها رجالا أكفاء قد حنكتهم يد العلم بما يؤهلهم للجهاد في ميدان هذه الحياة وكانوا قد دخلوا إليها أطفالا جاهلين لا يحسنون قيلا ولا يعلمون فتيلا ومنها توسيع نطاق التجارة بتكثير مواردها وتوفير مصادرها وتعزيز نظامها المتكفل بصيانة حقوقها وفتح أبواب الصناعة بإنشاء المعامل واستجلاب ما تتوقف عليه من الآلات والأدوات والمهمات وتعميم الزراعة بترغيب أهليها وتعليمهم طرقها الجديدة وإحياء الموات من أرضها وإكثار إخراجاتها إلى البلاد الأجنبية فوفرت بذلك ثروة الأمة وزاد غناها وتأمين الطرق بقطع دابر أصحاب الشقاء الذين كانوا قبل عهد خلافته يعيثون في السبل فيستلبون أموال العابرين وينتهبون بضائع المتاجرين وذخائر المزارعين ومنها إعداد العدد لكفاح المعادين بتشييد المعاقل الرصينة والحصون الحصينة وتجهيزها بمبرلات المدافع الجسيمة وتنظيم الجنود وتكثير عددهم وتوفير مهماتهم من البنادق التي هي من الطراز الأخير مما يجدر أن يعبر عنها بمناجل الأرواح تحصدها حصدا وبتأمين نفقاتهم وأرزاقهم في حالتي الحضر والسفر وإنشاء البوارج البحرية والدوارع الحربية وتكثير عددها وإكمال عددها وتجهيزها بالمدافع الضخمة مما زاد الأسطول العثماني قوة ومناعة لم تكونا في الحسبان وبالجملة فقد بلغت اليوم قوة الدولة المؤيدة العثمانية درجة شهدت لها بالتقدم أوربا وخافت سطوتها كبار الدول حتى
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»