الفجر الصادق - جميل صدقى الزهاوي - الصفحة ٨
على أنفس الناس وأهليهم وأموالهم ومنع تعدي بعضهم علي بعض وذلك لا يصح إلا مع وجود إمام يخافون عقابه. ويرجون ثوابه. ويرجعون إليه ويجتمعون عليه. فإذا لم يأمنوا على أنفسهم لم يمكنهم أن يتفرغوا لإقامة الدين الذي أوجب الله تعالى عليهم إقامته وما لا يتوصل إلى الواجب إلا به فهو واجب فاتخاذ الإمام واجب. وكذلك طاعته واجبة عقلا ونقلا أما عقلا فلان في وجوده حكمة عظيمة. ونعمة عميمة. يناط بها العباد. وتحفظ بها البلاد. ويقطع بها العناد ويقوم بها السداد مما أدناه حراسة الرعايا. وسياسة البرايا. ومثل الناس بلا سلطان مثل الحيتان في البحر يزدرد الكبير الصغير فمتى لم يكن لهم سلطان قاهر لم ينتظم لهم أمر ولم يستقم لهم معاش لأن الله سبحانه فطر الخلق على حب الانتصاف وعدم الإنصاف. فالسلطان في الخليقة قائم برعاية عباد الله وحماية بلاد الله وحراسة دين الله وإقامة حدود الله وحفظ أحكام الله وقمع أعداء الله وأن إقامته من حجج الله على وجوده ومن دلائله على توحيده فكما لا يتوهم وجود العالم وانتظامه وما فيه من دقائق الصنعة بغير خالق خلقه وعالم أتقنه وحكيم دبره كذلك لا يمكن استقامة أمور الناس بغير مدبر ينفرد بتدبيرها وملك يقوم بأعبائها ويلم شعثها وكما يستحيل وجود إلهين في العالم كذلك لا يجوز وجود سلطانين في مملكة واحدة وأن مثله مثل الراعي ومثل الرعية مثل الغنم فإذا لم يكن للغنم راع يرعاها ويذود عنها عاثت بها الذئاب فأكلتها وأن الإمام العادل. خير من المطر الوابل. ولما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن إذا تبينت هذا فقد اتضح لك أن طاعة السلطان واجبة بصريح العقل إذ لا يتم كونه سلطانا إلا بالطاعة على أن انقياد الجماعة لواحد من نوعها
(٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 ... » »»