طحنت رضي الله عنها بالرحى حتى تورمت كفاها، واستقت بالقربة حتى اسود صدرها من أثر حملها وكنست بيدها حتى اغبرت ثيابها.
هكذا كانت حياة بنت نبي الأمة.. وزوج فارسها وعالمها، وهكذا سما بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من هموم العيش ومتاعب البيت إلى أفق أعلى وأسمى حيث الدرجات العلى. وإنها لفي مقام سيدة نساء الأمة - رضي الله عنها -.
وخير ما يوصف به حياة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها أنها كانت حياة جادة وحازمة، حياة كلها حنان ورعاية من أبوين كريمين أصلا، وخلقا، وحسبا، ونسبا، كانا يحسنان إلى الناس فكيف يكون إحسانهما لأبنائهما، كانا يعطفان على الناس فكيف بأبنائهما، بيت كريم، وأهل كرام، وبيئة كريمة.
وتعلمت الزهراء في دار أبويها ما لم تتعلمه طفلة غيرها في مكة:
آيات من القرآن، وعادات لا يطيق حملها من حولهم العابدون وغير العابدين ولكنها قد تعلمت كذلك كل ما يتعلمه غيرها من البنات في حاضرة الجزيرة العربية فلا عجب أن نسمع عنها بعد ذلك أنها كانت تضمد جراح أبيها في غزوة أحد، وأنها كانت تقوم وحدها بصنيع بيتها، ولا يعينها عليه أحد من النساء في أكثر أيامها.
ويبدو أن هذه السيدة الفاضلة التي نشأت وترعرعت في هذا البيت الطاهر كانت على علم وفضل وصلة بعلوم القرآن ومعاني القرآن ومضامينه، وكل الحوادث والأحداث التي نطالعها تدلل على ذلك الفضل للسيدة فاطمة وخيرة أهل الكساء وبضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد نشأت نشأة جد واعتكاف، نشأة وقار واكتفاء، وعلمت مع السنين أنها سليلة شرف لا منازع لها فيه من واحدة من بنات حواء فيمن تراه، فوثقت بكفاية هذا الشرف الذي لا يدانى، وشبت بين انطوائها على نفسها واكتفائها بشرفها كأنها في عزلة بين أبناء آدم وحواء.