ومنها أن يقال من المعلوم أن كل نفس قابلة للعلم وإرادة الحق ومجرد التعليم والتحضيض لا يوجب العلم والإرادة لولا أن في النفس قوة تقبل ذلك والا فلو علم الجهال والبهائم وحضضا لم يقبلا ومعلوم ان حصول اقرارها بالصانع ممكن من غير سبب منفصل من خارج وتكون الذات كافية في ذلك فإذا كان المقتضي قائما في النفس وقدر عدم المعارض فالمقتضي السالم عن المعارض يوجب مقتضاه فعلم أن الفطرة السليمة إذا لم يحصل لها ما يفسدها كانت مقرة بالصانع عابدة له ومنها أن يقال أنه إذا لم يحصل المفسد الخارج ولا المصلح الخارج كانت الفطرة مقتضية للصلاح لان المقتضى فيها للعلم والإرادة قائم والمانع منتف ويحكى عن أبي حنيفة رحمه الله أن قوما من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية فقال لهم اخبرونى قبل ان نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلىء من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فترسي بنفسها وتفرغ وترجع كل ذلك من غير أن يدبرها أحد فقالوا هذا محال لا يمكن أبدا فقال لهم إذا كان هذا محالا في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله وتحكى هذه الحكاية أيضا عن غير أبي حنيفة فلو أقر رجل بتوحيد الربوبية الذي يقر به هؤلاء النظار ويفنى فيه كثير من أهل التصوف ويجعلونه غاية السالكين كما ذكره صاحب منازل السائرين وغيره وهو مع ذلك ان لم يعبد الله وحده ويتبرأ من عبادة ما سواه كان مشركا من جنس أمثاله من المشركين والقرآن مملوء من تقرير هذا التوحيد وبيانه وضرب الأمثال له ومن ذلك أنه يقرر توحيد الربوبية ويبين أنه لا خالق إلا الله وأن ذلك
(٨٣)