شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٢٠٧
أن يسأل ما لا يجوز عليه بل هو عندهم من أعظم المحال الثاني أن الله لم ينكر عليه سؤاله ولما سال نوح ربه نجاه ابنه أنكر سؤاله وقال * (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) * الثالث أنه تعالى قال * (لن تراني) * ولم يقل اني لا أرى أو لا تجوز رؤيتي أو لست بمرئي والفرق بين الجوابين ظاهر ألا ترى أن من كان في كمه حجر فظنه رجل طعاما فقال أطعمنيه فالجواب الصحيح أنه لا يؤكل أما إذا كان طعاما صح أن يقال انك لن تأكله وهذا يدل على أنه سبحانه مرئي ولكن موسى لا تحتمل قواه رؤيته في هذه الدار لضعف قوى البشر فيها عن رؤيته تعالى يوضحه الوجه الرابع وهو قوله * (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) * فأعلمه ان الجبل مع قوته وصلابته لا يثبت للتجلي في هذه الدار فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف الخامس أن الله سبحانه قادر على أن يجعل الجبل مستقرا وذلك ممكن وقد علق به الرؤية ولو كان محالا لكان نظير أن يقول إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام والكل عندهم سواء السادس قوله تعالى * (فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا) * فإذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب فكيف يمتنع أن يتجلى لرسوله وأوليائه في دار كرامته ولكن الله اعلم موسى ان الجبل إذا لم يثبت لرؤيته في هذه الدار فالبشر أضعف السابع أن الله كلم موسى وناداه وناجاه ومن جاز عليه التكلم والتكليم وأن يسمع مخاطبه كلامه بغير واسطة فرؤيته أولى بالجواز ولهذا لا يتم إنكار رؤيته الا بإنكار كلامه وقد جمعوا بينهما وأما دعواهم تأييد النفي ب لن وأن ذلك يدل على نفي الرؤية في الآخرة ففاسد فإنها لو قيدت بالتأبيد لا يدل على دوام النفي في الآخرة فكيف إذا أطلقت قال
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»