شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٢١١
وليس تشبيه رؤية الله تعالى برؤية الشمس والقمر تشبيها لله بل هو تشبيه الرؤية بالرؤية لا تشبيه المرئي بالمرئي ولكن فيه دليل على علو الله على خلقه وإلا فهل تعقل رؤية بلا مقابلة ومن قال يرى لا في جهة فليراجع عقله فاما أن يكون مكابرا لعقله وفي عقله شيء وإلا فإذا قال يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة ولهذا ألزم المعتزلة من نفي العلو بالذات بنفي الرؤية وقالوا كيف تعقل رؤية بلا مقابلة بغير جهة وإنما لم نره في الدنيا لعجز أبصارنا لا لامتناع الرؤية فهذه الشمس إذا حدق الرائي البصر في شعاعها ضعف عن رؤيتها لا لامتناع في ذات المرئي بل لعجز الرائي فإذا كان في الدار الآخرة أكمل الله فتوى الآدميين حتى أطاقوا رؤيته ولهذا لما تجلى الله للجبل * (وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) * بأنه لا يراك حي الا مات ولا يابس الا تدهده ولهذا كان البشر يعجزون عن رؤية الملك في صورته الا من أيده الله كما أيد نبينا قال تعالى * (وقالوا لولا أنزل عليه ملك ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر) * قال غير واحد من السلف لا يطيقون أن يروا الملك في صورته فلو أنزلنا عليهم ملكا لجعلناه في صورة بشر وحينئذ يشتبه عليهم هل هو بشر أو ملك ومن تمام نعمة الله علينا أن بعث فينا رسولا منا وما ألزمهم المعتزلة هذا الإلزام الا لما وافقوهم على أنه لا داخل العالم ولا خارجه لكن قول من أثبت موجودا يرى لا في وجهة أقرب إلى العقل من قول من أثبت موجودا قائما بنفسه لا يرى ولا في جهة ويقال لمن قال الرؤية لانتفاء لازمها وهو الجهة أتريد
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»