شرح العقيدة الطحاوية - ابن أبي العز الحنفي - الصفحة ٢٠٨
تعالى * (ولن يتمنوه أبدا) * مع قوله * (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك) * ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها وقد جاء ذلك قال تعالى * (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي) * فثبت أن لن لا تقتضى المنفي المؤبد قال الشيخ جمال الدين ابن مالك رحمه الله * ومن رأى النفي بلن مؤبدا * فقوله أردد وسواه فاعضدا * وأما الآية الثانية فالاستدلال بها على الرؤية من وجه حسن لطيف وهو أن الله تعالى انما ذكرها في سياق التمدح ومعلوم أن المدح انما يكون بالصفات الثبوتية وأما العدم المحض فليس بكمال فلا يمدح به وانما يمدح الرب تعالى بالنفي إذا تضمن أمرا وجوديا كمدحه بنفي السنة والنوم المتضمن كمال القيومية ونفي الموت المتضمن كمال الحياة ونفي اللغوب والاعياء المتضمن كمال القدرة ونفي الشريك والصاحبة والولد والظهير المتضمن كمال الربوبية والألوهية وقهره ونفي الأكل والشرب المتضمن كمال صمديته وغناه ونفي الشفاعة عنده الا بإذنه المتضمن كمال توحده وغناه عن خلقه ونفي الظلم المتضمن كمال عدله وعلمه وغناه ونفي النسيان وعزوب شيء عن علمه المتضمن كمال علمه واحاطته ونفي المثل المتضمن لكمال ذاته وصفاته ولهذا لم يمتدح بعدم محض لم يتضمن أمرا ثبوتيا فان المعدم يشارك الموصوف في ذلك العدم ولا يوصف الكامل بأمر يشترك هو والمعدوم فيه فان المعنى أنه يرى ولا يدرك ولا يحاط به فقوله * (لا تدركه الأبصار) * يدل على كمال عظمته وأنه أكبر من كل شيء وأنه لكمال عظمته لا يدرك بحيث يحاط به فان الادراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية كما قال تعالى * (فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا) *
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»