شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٨٦
جسم وسكونه في زمان بعينه فإن وقع الأمر إن جميعا لزم اجتماع الضدين وإن لم يقع شيء منهما لزم عجز الباري تعالى وتخلف المعلول عن تمام العلة وخلو الجسم عن الحركة والسكون وإن وقع أحدهما لزم الترجح بلا مرجح وفيه ما قد عرفت لا يقال معنى كون قدرته أكمل أنها أشمل أي أكثر إيجادا ولا أثر لهذا التفاوت في المقدور المخصوص بل نسبة القدرتين إليه على السواء لأنا نقول بل معناه أنها أقوى وأشد تأثيرا فيترجح على قدرة العبد ويظهر أثرها (قال وخالفت الفلاسفة) القول بأنه لا مؤثر في الوجود سوى الله تعالى مذهب البعض من أهل السنة كالأشاعرة ومن يجري مجراهم وخالف فيه أكثر الفرق من المليين وغيرهم فذهبت الفلاسفة إلى أن الصادر عنه بلا واسطة هو العقل الأول وهو مصدر لعقل ونفس وفلك وهكذا يترتب المعلولات مستندا بعضها إلى البعض فالفاعل للأفلاك عقول ولحركاتها نفوس وللحوادث بعض هذه المبادي أو الصور أو القوى بتوسط الحركات ولأفعال المعدنيات صورها النوعية ولأفعال النبات والحيوان نفوسها وبالجملة فأكثر الممكنات عندهم مؤثرات وذهب الصائبون والمنجمون إلى أن كل ما يقع في عالم الكون والفساد من الحوادث والتغيرات مستندة إلى الأفلاك والكواكب بما لها من الأوضاع والحركات والأحوال والاتصالات وغاية متمسكهم في ذلك هو الدوران أعني ترتب هذه الحوادث على هذه الأحوال وجودا وعدما وهو لا يفيد القطع بالعلية لجواز أن تكون شروطا أو معلولات مقارنة أو نحو ذلك كيف وكثيرا ما يظهر التحلف بطريق المعجزات والكرامات كيف ومبنى علومهم على بساطة الأفلاك والكواكب وانتظام حركاتها على نهج واحد وهو ينافي ما ذهبوا إليه من اختلاف أحوال البروج والدرجات وانتسابها إلى الكواكب وغير ذلك من التفاصيل والاختصاصات وبالنظر إلى الدوران زعم الطبيعيون أن حوادث هذا العالم مستندة إلى امتزاج العناصر والقوى والكيفيات الحاصلة بذلك ثم الظاهر أن ما نسب إلى المنجمين والطبيعيون هو مذهب الفلاسفة إلا أنه لما لم يعرف مذهب الفريقين في مبادي الأفلاك والعناصر وإثبات العقول والنفوس وكون الباري موجبا أو مختارا جعل كل منهما فرقة من المخالفين وأما من المسلمين فالمعتزلة أسندوا الشرور والقبائح إلى الشيطان وهو قريب من مذهب القائلين بالنور أو الظلمة وأسندوا الأفعال الاختيارية للإنسان وغيره من الحيوانات إليهم وهو مسألة خلق الأعمال وسيئاتي فإن قيل الفلاسفة والمعتزلة لا يقولون بالقدرة فلا معنى لعدهم من المخالفين في شمولها قلنا المراد بالقدرة ههنا القادرية أي كونه قادرا ولا خلاف للمعتزلة في ذلك وكذا للفلاسفة لكن بمعنى لاينا في الإيجاب على ما قيل إن القادر هو الذي يصح أن يصدر عنه الفعل وأن لا يصدر وهذه الصحة هي القدرة وإنما يترجح أحد الطرفين على الآخر بانضياف وجود الإرادة أو عدمها إلى القدرة وعند اجتماعها يجب حصول
(٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 ... » »»