شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٨٤
استناده إلى القادر كالحادث يمكن في الأزل لذاته ويمتنع مع حدوثه فلا يلزم جواز الاستناد إلى القادر لما هو أزلي بل لما هو ممكن في الأزل بالذات ولا نسلم استحالته السابع أن أثر الباري تعالى إما واجب الوقوع أو ممتنع الوقوع لأنه إما أن يعلم في الأزل وقوعه فيجب أولا وقوعه فيمتنع وإلا لزم الجهل ولا شيء من الواجب والممتنع بمقدور لزوال مكنة الترك في الأول والفعل في الثاني بل كليهما في كليهما والجواب أنه يعلم وقوعه بقدرته ومثل هذا الوجوب لا ينافي المقدورية بل يحققها قال خاتمة قدرة الله غير متناهية إما بمعنى أنها ليست لها طبيعة امتدادية تنتهي إلى حد ونهاية أو بمعنى أنها لا يطرأ عليها العدم فظاهر لا يحتاج إلى التعرض وإما بمعنى أنها لا تصير بحيث يمتنع تعلقها فلأن ذلك عجز ونقص ولأن كثيرا من مخلوقاته أبدي كنعيم الجنان وذلك بتعاقب جزئيات لا نهاية لها بحسب القوة والإمكان ولأن المقتضي للقادرية هو الذات والمصحح للمقدورية هو الإمكان ولا انقطاع لهما وبهذا استدلوا على شمول قدرة الله تعالى لكل موجود ممكن بمعنى أنه يصح تعلقها به ولما توجه عليه أنه لم لا يجوز اختصاص بعض الممكنات بشرط لتعلق القدرة أو مانع عنه ومجرد المنتضى والمصحح لا يكفي بدون وجود الشرط وعدم المانع أجيب بأنه لا تمايز للممكنات قبل الوجود ليختص البعض بشرائط التعلق وموانعه دون البعض وهذا ضعيف على ما سبق فالأولى التمسك بالنصوص الدالة على شمول قدرته مثل والله على كل شيء قدير (قال وخالف المجوس) المنكرون لشمول قدرة الله تعالى طوائف منهم المجوس القائلون بأنه لا يقدر على الشرور حتى خلق الأجسام المؤذية وإنما القادر على ذلك فاعل آخر يسمى عندهم أهرمن لئلا يلزم كون الواحد خيرا وشريرا وقد عرفت ذلك ومنهم النظام وأتباعه القائلون بأنه لا يقدر على خلق الجهل والكذب والظلم وسائر القبائح إذ لو كان خلقها مقدورا له لجاز صدوره عنه واللازم باطل لإفضائه إلى السفه إن كان عالما بقبح ذلك وباستغنائه عنه وإلى الجهل إن لم يكن عالما والجواب لا نسلم قبح شيء بالنسبة إليه تعالى كيف وهو تصرف في ملكه ولو سلم فالقدرة عليه لا تنافي امتناع صدوره عنه نظرا إلى وجود الصارف وعدم الداعي وإن كان ممكنا في نفسه ومنهم عباد وأتباعه القائلون بأنه ليس بقادر على ما علم أنه لا يقع لاستحالة وقوعه قال في المحصل وكذا ما علم أنه يقع لوجوبه والجواب أن مثل هذه الاستحالة والوجوب لا تنافي المقدورية ومنهم أبو القاسم البلخي المعروف بالكعبي وأتباعه القائلون بأنه لا يقدر على مثل مقدور العبد حتى لو حرك جوهر إلى حيز وحركه العبد إلى ذلك الحيز لم تتماثل الحركتان وذلك لأن فعل العبد إما عبث أو سفه أو تواضع بخلاف فعل الرب وفي عبارة المحصل بدل التواضع الطاعة وعبارة المواقف إما طاعة أو معصية أوسفه ليست على ما ينبغي لأن السفه وإن جاز أن يجعل شاملا للعبث فلا خفاء في شموله المعصية أيضا والجواب منع
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»