شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٨٢
يجب أن يكون قادرا مختارا إذ لو كان طبيعة النطفة أو أمرا خارجا موجبا لزم أن يكون الحيوان على شكل الكرة إن كانت النطفة بسيطة لأن ذلك مقتضى الطبيعة ونسبة الموجب إلى أجزاء البسيط على السوية وعلى شكل كرات مضمومة بعضها إلى البعض إن كانت النطفة مركبة من البسائط بمثل ما ذكر وقد يتمسك في إثبات كون الباري قادرا عالما بالإجماع والنصوص القطعية من الكتاب والسنة وبأن القدرة والعلم والحياة ونحو ذلك صفات كمال وأضدادها من الجهل والعجز والممات سمات نقص يجب تنزيه الله عنها وبأن صانع العالم على ما فيه من لطائف الصنع وكمال الانتظام والأحكام عالم قادر بحكم الضرورة وهذه الوجوه لا تخلو عن محال مناقشة أما لشبه الأول فلما لا يخفى على المتأمل فيها الواقف على قواعد الفلسفة وأما السابع فلأن مرجع الأدلة السمعية إلى الكتاب ودلالة المعجزات وهل يتم الإقرار بها والإذعان لها قبل التصديق بكون الباري قادرا عالما فيه تردد وتأمل وأما الثامن فلأنه فرع جواز اتصافه بها وكونها كمالات في حقه ووجوب اتصافه بكل كمال ونحو ذلك من المقدمات التي ربما يناقش فيها وأما التاسع فلابتنائه على أن ما يشاهد من أمر السماء والأرض مستند إلى الواجب بلا واسطة لا إلى بعض معلولاته على ما زعم الفلسفي لكن من كان طالبا للحق غير هائم في أودية الضلال ربما يستفيد من هذه الوجوه القطع واليقين بلا احتمال قال تمسك المخالف بوجوه الأول لو كان الباري تعالى فاعلا بالقدرة والاختيار دون الإيجاب فتعلق قدرته بأحد مقدوريه المتساويين بالنظر إلى نفس القدرة دون الآخر إن افتقر إلى مرجح ينقل الكلام إلى تأثيره في ذلك المرجح ولزم التسلسل في المرجحات وإن لم يفتقر لزم انسداد باب إثبات الصانع لأن مبناه على امتناع الترجح بلا مرجح وافتقار وقوع الممكن إلى مؤثر والجواب منع الملازمتين أي لا نسلم أنه لو افتقر تعلق القدرة إلى مرجح لزم التسلسل لجواز أن يكون المرجح هو الإرادة التي تتعلق بأحد المتساويين لذاتها كما في اختيار الجائع أحاد الرغيفين والهارب أحد الطريقين ولا يخفى أن هذا أولى مما قال في المواقف اقتداء بالإمام أن القدرة تتعلق لذاتها ولا نسلم أنه لو لم يفتقر إلى مرجح لزم انسداد باب إثبات الصانع فإن المفضي إلى ذلك جواز ترجح الممكن بلا مرجح بمعنى تحققه بلا مؤثر لا ترجيح القادر أحد مقدوريه بلا مرجح بمعنى تخصيصه بالإيقاع من غير داعية ولا يلزم من جواز هذا جواز ذاك الثاني أن تعلق القدرة والإرادة
(٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 ... » »»