شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٧٥
من الاعتبارات العقلية التي لا تحقق لها في الأعيان بمنزلة الحدوث والإمكان بل من المعاني الحقيقية فلا بد من القول بكونها نفس الذات فيعود المحذور أو وراء الذات فيثبت المطلوب وأيضا وصف العالمية أو القادرية وكذا المعلومية أو المقدورية إنما يتحقق بعد تمام التعلق فعلى ما ذكر يكون كل من العلم والقدرة عبارة عن تعلق الذات بأمر فلا بد في التمايز من خصوصية بها يكون أحد التعلقين علما والآخر قدرة وهو المراد بالمعنى الزائد على الذات والحاصل أنه لا نزاع في أنه تعالى عالم حي قادر ونحو ذلك وهذه الألفاظ ليست أسماء للذات من غير اعتبار معنى بل هي أسماء مشتقة معناها إثبات ما هو مأخذ الاشتقاق ولا معنى له سوى إدراك المعاني والتمكن من الفعل والترك ونحو ذلك فلزم بالضرورة ثبوت هذه المعاني للواجب كيف والخلو عنها نقص وذهاب أي أنه لا يعلم ولا يقدر ثم هذه المعاني يمتنع أن تكون نفس الذات لامتناع قيامها بأنفسها ولما سبق من المحالات فتعين كونها معاني وراء الذات والمعتزلة مع ارتكابهم شناعة العالم بلا علم والقادر بلا قدرة لا يرضون رأسا برأس بل يباهون بنفي الصفات ويعدون إثباتها من الجهالات الوجه الثالث النصوص الدالة على إثبات العلم والقدرة بحيث لا يحتمل التأويل كقوله تعالى * (أنزله بعلمه) * وقوله * (فاعلموا أنما أنزل بعلم الله) * أي... لعلمه بمعنى أنه تعلق به العلم لا بمعنى مقارنا للعلم ليلزم كون العلم منزلا فيجب تأويله وكقوله تعالى * (أن القوة لله) * وقوله تعالى (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) قال تمسك المخالف بوجود للقائلين بنفي الصفات شبه بعضها على أصول الفلسفة تمسكا للفلاسفة وبعضها على قواعد الكلام تمسكا للمعتزلة وبعضها من مخترعات أهل السنة على أحد الطريقين دفعا لها ولم يصرح في المتن بنسبة كل إلى من يتمسك به لعدم خفائه على الناظر في المقدمات الأول وهو للفلاسفة لو كانت له صفة زائدة لكانت ممكنة لأن الصفة لا تقوم بنفسها فضلا عن الوجوب كيف وقد ثبت أن الواجب واحد وما وقع في كلام بعض العلماء من أن واجب الوجود لذاته هو الله تعالى وصفاته فمعناه أنها واجبة لذات الواجب أي مستندة إلى الله بطريق الإيجاب لا بطريق الخلق بالقصد والاختيار ليلزم كونها حادثة وكون القدرة مثلا مسبوقة بقدرة أخرى وما ثبت من كون الواجب مختارا لا موجبا إنما هو في غير صفاته وأما استناد الصفات عند من يثبتها فليس إلا بطريق الإيجاب وكذا قولهم علة الاحتياج إلى المؤثر هو الحدوث دون الإمكان ينبغي أن يخص بغير صفاته ولا يخفى أن مثل هذه التخصيصات في الأحكام العقلية بعيد جدا ثم صفاته على تقدير تحققها ولزوم إمكانها يجب أن تكون أثرا له لامتناع افتقار ا لواجب في صفاته وكمالاته إلى الغير فيلزم كونه القابل والفاعل وهو باطل لما مر وأجيب بالمنع كما مر وقد تقرر لزوم كونه الفاعل بأن جميع الممكنات مستندة
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»