شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٨٥
الحصر ككثير من المصالح الدنيوية فإن قيل المشتمل على المصلحة المحضة أو الراجحة طاعة وتواضع قلنا ممنوع بل إذا كان فيه امتثال وتعظيم للغير ولهذا لا يتصف به فعل الرب وإن اشتمل على المصلحة ولو سلم الحصر فالمقدور في نفسه حركات وسكنات وتلحقه هذه الأحوال والاعتبارات بحسب قصد العبد وداعيته ولست من لوازم الماهية فانتفاؤها لا يمنع التماثل ومنهم الجبائي وأتباعه القائلون بأنه لا يقدر على نفس مقدور العبد لأنه لو صح مقدور بين قادرين لصح مخلوق بين خالقين لأنه يجب وقوعه بكل منهما عند تعلق الإرادة لما سبق من وجوب حصول الفعل عند خلوص القدرة والداعي وقد عرفت امتناع اجتماع المؤثرين على أثر واحد والجواب عندنا منع الملازمة بناء على أن قدرة العبد ليست بمؤثرة وسيجئ إن شاء الله ولو سلم فإنما يتم خلوص الداعي والقدرة لو لم يكن تعلق القدرة أو الإرادة للآخر مانعا ولو سلم فيجوز أن يكون واقعا بهما جميعا لا بكل منهما ليلزم المحال وعند أبي الحسين البصري منع بطلان اللازم فإنا إذا فرضنا التصاق جوهر واحد يكفي إنسانين فجذبه أحدهما حال ما دفعه الآخر فإن الحركة الحاصلة فيه مستندة إلى كل منهما وفيه نظر قال وأما شمول قدرته ما مر من الاختلاف كان في شمول قدرة الله تعالى بمعنى كونه قادرا على كل ممكن سواء تعلق به الإرادة والقدرة فوجد أم لا فلم يوجد أصلا أو وجد بقدرة مخلوق وعلى هذا لا يتأتى اختلافات الفلاسفة ومن يجري مجراهم ممن لا يقول بكونه قادرا مختارا وقد يفسر شمول قدرته بأن كل ما يوجد من الممكنات فهو معلول له بالذات أو بالواسطة وهذا مما لا نزاع فيه لأحد من القائلين بوحدة الواجب تعالى وإنما الخلاف في كيفية الاستناد ووجود الوسائط وتفاصيلها وأن كل ممكن إلى أي ممكن يستند حتى ينتهي إلى الواجب وقد يفسر شمول قدرته بأن ما سوى الذات والصفات من الموجودات واقع بقدرته وإرادته ابتداء بحيث لا مؤثرا سواه وهذا مذهب أهل الحق من المتكلمين وقليل ما هم وتمسكوا بوجوه الأول النصوص الدالة إجمالا على أنه خالق الكل لا خالق سواه وتفصيلا على أنه خالق السماوات والأرض والظلمات والنور والموت والحياة وغير ذلك من الجواهر والأعراض الثاني دليل التوارد وهو أنه لو وقع شيء بقدرة الغير وقد عرفت أنه مقدور لله تعالى أيضا فلو فرضنا تعلق الإرادتين به معا فوقوعه إما بإحدى القدرتين فيلزم الترجح بلا مرجح وإما بهما فيلزم توارد العلتين المستقلتين على معلول واحد لأن التقديران كلا منهما مستقل بالإيجاد فلا يجوز أن تكون العلة هي المجموع وهذا بخلاف حركة الجوهر الملتصق يكفي جاذب ودافع فإنه لا دليل على استقلال كل منهما بإيجاد تلك الحركة على الوجه المخصوص نعم يرد عليه أن قدرة الله تعالى أكمل فيقع بها وتضمحل قدرة العبد الثالث دليل التمانع وهو أنه لو وقع شيء بإيجاد الغير وفرضنا تعلق قدرة الله تعالى وإرادته بضد ذلك الشيء في حال إيجاد الغير ذلك الشيء كحركة
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»