شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٧٠
بذلك علي رضي الله عنه وأولاده المخصوصون الذين هم خير البرية والعلم في الكمالات العلمية والعملية فلهذا كان يصدر عنهم في العلوم والأعمال ما هو فوق الطاقة البشرية ومنهم بعض المتصوفة القائلون بأن السالك إذا أمعن في السلوك وخاض معظم لجة الوصول فربما يحل الله فيه تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا كالنار في الجمر بحيث لا تمايز أو يتحد به بحيث لا إثنينية ولا تغاير وصح أن يقول هو أنا وأنا هو وحينئذ يرتفع الأمر والنهي ويظهر من الغرائب والعجائب مالا يتصور من البشر وفساد الرأيين غني عن البيان وههنا مذهبان آخران يوهمان بالحلول أو الاتحاد وليسا منه في شيء الأول أن السالك إذا انتهى سلوكه إلى الله وفي الله يستغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تضمحل ذاته في ذاته تعالى وصفاته في صفاته ويغيب عن كل ما سواه ولا يرى في الوجود إلا الله تعالى وهذا الذي يسمونه الفناء في التوحيد وإليه يشير الحديث الإلهي أن العبد لا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي به يسمع وبصره الذي به يبصر وحينئذ ربما تصدر عنه عبارات تشعر بالحلول أو الاتحاد لقصور العبارة عن بيان تلك الحال وتعذر الكشف عنها بالمقال ونحن على ساحل التمني نغترف من بحر التوحيد بقدر الإمكان ونعترف بأن طريق الفناء فيه العيان دون البرهان والله الموفق والثاني أن الواجب هو الوجود المطلق وهو واحد لا كثرة فيه أصلا وإنما الكثرة في الإضافات والتعينات التي هي بمنزلة الخيال والسراب إذ الكل في الحقيقة واحد يتكرر على المظاهر لا بطريق المخالطة ويتكثر في النواظر لا بطريق الانقسام فلا حلول ههنا ولا اتحاد لعدم الإثنينية والغيرية وكلامهم في ذلك طويل خارج عن طريق العقل والشرع وقد أشرنا في بحث الوجود إلى بطلانه لكن من يضلل الله فما له من هاد قال المبحث الرابع الجمهور على أن الواجب يمتنع أن يتصف بالحادث أي الموجود بعد العدم خلافا للكرامية وأما اتصافه بالسلوب والإضافات الحاصلة بعد مالم تكن ككونه غير رازق لزيد الميت رازقا لعمرو المولود وبالصفات الحقيقية المغيرة التعلقات ككونه عالما بهذا الحادث وقادرا عليه فجائز وكذا بالأحوال المتحققة بعد مالم تكن كالعالميات المتجددة بتجدد المعلومات عند أبي الحسين البصري على ما سيجيء تحقيق ذلك وبهذا يندفع ما ذكره الإمام الرازي من أن القول بكون الواجب محلا للحوادث لازم على جميع الفرق وإن كانوا يتبرأون عنه أما الأشاعرة فلأن زيدا إذا وجد كان الواجب غير قادر على خلقه بعد ما كان وفاعلا له عالما بأنه موجود مبصرا لصورته سامعا لصوته آمرا له بالصلاة بعدما لم يكن كذلك وأما المعتزلة فلقولهم بحدوث المريدية والكارهية لما يراد وجوده أو عدمه والسامعية والمبصرية لما يحدث من الأصوات والألوان وكذا يتجدد العالميات بتجدد المعلوميات عند أبي الحسين البصري وأما الفلاسفة فلقولهم بأن الله تعالى إضافة إلى ما حدث ثم فني بالقبلية ثم المعية ثم البعدية
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»