المذكورة والجزم بالانحصار في القسمين إنما هو من الأحكام الكاذبة للوهم ودعوى الضرورة مبنية على العناد والمكابرة أو على أن الوهميات كثيرا ما تشتبه بالأوليات وأما الثاني فكقوله تعالى * (وجاء ربك) * * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) * * (الرحمن على العرش استوى) * * (إليه يصعد الكلم الطيب) * * (ويبقى وجه ربك) * * (يد الله فوق أيديهم) * * (ولتصنع على عيني) * * (لما خلقت بيدي) * * (والسماوات مطويات بيمينه) * * (يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله) * إلى غير ذلك وكقوله عليه السلام للجارية الخرساء أين الله فأشارت إلى السماء فلم ينكر عليها وحكم بإسلامها كقوله عليه السلام إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا الحديث إن الله خلق آدم على صورته إن الجبار يضع قدمه في النار إنه يضحك إلى أوليائه حتى تبدو نواجذه إن الصدقة تقع في كف الرحمن إلى غير ذلك والجواب أنها ظنيات سمعية في معارضة قطعيات عقلية فيقطع بأنها ليست على ظواهرها ويفوض العلم بمعانيها إلى الله تعالى مع اعتقاد حقيقتها جريا على الطريق الأسلم الموافق للوقف على إلا الله في قوله تعالى * (وما يعلم تأويله إلا الله) * أو تأول تأويلات مناسبة موافقة لما عليه الأدلة العقلية على ما ذكر في كتب التفاسير وشروح الأحاديث سلوكا للطريق الأحكم الموافق للعطف في إلا الله * (والراسخون في العلم) * فإن قيل إذا كان الدين الحق نفي الحيز والجهة فما بال الكتب السماوية والأحاديث النبوية مشعرة في مواضع لا تحصى بثبوت ذلك من غير أن يقع في موضع منها تصريح بنفي ذلك وتحقيق كما كررت الدلالة على وجود الصانع ووحدته وعلمه وقدرته وحقيقة المعاد وحشر الأجساد في عدة مواضع وأكدت غاية التأكيد مع أن هذا أيضا حقيق بغاية التأكيد والتحقيق لما تقرر في فطرة العقلاء مع اختلاف الأديان والآراء من التوجه إلى العلو عند الدعاء ورفع الأيدي إلى السماء أجيب بأنه لما كان التنزيه عن الجهة مما تقصر عنه عقول العامة حتى تكاد تجزم بنفي ما ليس في الجهة كان الأنسب في خطاباتهم والأقرب إلى صلاحهم والأليق بدعوتهم إلى الحق ما يكون ظاهرا في التشبيه وكون الصانع في أشرف الجهات مع تنبيهات دقيقة على التنزيه المطلق عما هو من سمات الحدوث وتوجه العقلاء إلى السماء ليس من جهة اعتقادهم أنه في السماء بل من جهة أن السماء قبلة الدعاء إذ منها تتوقع الخيرات والبركات وهبوط الأنوار ونزول الأمطار قال تنبيه لما ثبت لما ثبت أن الواجب ليس بجسم ظهر أنه لا يتصف بشيء من الكيفيات المحسوسة بالحواس الظاهرة أو الباطنة مثل الصورة واللون والطعم والرائحة واللذة والألم والفرح والغم والغضب ونحو ذلك إذ لا يعقل منها إلا ما يخص الأجسام وإن كان البعض منها مختصا بذوات الأنفس ولأن البعض منها تغيرات وانفعالات وهي على الله تعالى محال وأثبت الحكماء اللذة العقلية لأن كمالاته أمور ملائمة وهو مدرك لها فيبتهج بها واعترض بأنه إن أريد أن الحالة التي نسميها اللذة هي نفس إدراك الملائم فغير معلوم
(٦٧)