شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٦٨
فإن أريد أنها حاصلة البتة عند إدراك الملائم فربما يختص ذلك بإدراكنا دون إدراكه فإنهما مختلفان قطعا واعلم أن بعض القدماء بالغوا في التنزيه حتى امتنعوا عن إطلاق اسم الشيء بل العالم والقادر وغيرهما على الله تعالى زعما منهم أنه يوجب إثبات المثل له وليس كذلك لأن المماثلة إنما تلزم لو كان المعنى المشترك بينه وبين غيره فيهما على السواء ولا تساوي بين شيئيته وشيئية غيره ولا بين علمه وعلم غيره وكذا جميع الصفات وأشنع من ذلك امتناع الملاحدة عن إطلاق اسم الموجود عليه وأما الامتناع عن إطلاق اسم الماهية فمذهب كثير من المتكلمين لأن معناها المجانسة يقال ما هذا الشيء أي من أي جنس هو قالوا وما روي أن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول إن لله تعالى ماهية لا يعلمها إلا هو ليس بصحيح إذ لم يوجد في كتبه ولم ينقل من أصحابه العارفين بمذهبه ولو ثبت فمعناه أنه يعلم نفسه بالمشاهدة لا بدليل أو خبر أو أن له اسما لا يعلمه غيره فإن لفظة ما قد تقع سؤالا عن الاسم قال الشيخ أبو منصور رحمه الله تعالى إن سألنا سائل عن الله تعالى ما هو قلنا إن أردت ما اسمه فالله الرحمن الرحيم وإن أردت ما صفته فسميع بصير وإن أردت ما فعله فخلق المخلوقات ووضع كل شيء موضعه وإن أردت ما ماهيته فهو متعال عن المثال والجنس (قال المبحث الثالث) الواجب لا يتحد بغيره ولا يحل فيه أما الاتحاد فلما سبق من امتناع اتحاد الاثنين ولأنه يلزم كون الواجب هو الممكن والممكن هو الواجب وذلك محال بالضرورة وأما الحلول فلوجوه الأول أن الحال في الشيء يفتقر إليه في الجملة سواء كان حلول جسم في مكان أو عرض في جوهر أو صورة في مادة كما هو رأي الحكماء أو صفة في موصوف كصفات المجردات والافتقار إلى الغير ينافي الوجوب فإن قيل قد يكون حلول امتزاج كالماء في الورد قلنا ذلك من خواص الأجسام ومفض إلى الانقسام وعائد إلى حلول الجسم في المكان الثاني أنه لو حل في محل فإما مع وجوب ذلك وحينئذ يفتقر إلى المحل ويلزم إمكانه وقدم المحل بل وجوبه لأن ما يفتقر إليه الواجب أولى بأن يكون واجبا وإما مع جوازه وحينئذ يكون غنيا عن المحل والحال يجب افتقاره إلى المحل فيلزم انقلاب الغنى عن الشيء محتاجا إليه هكذا قرره الإمام رحمه الله ثم اعترض بأنه على التقدير الأول لا يلزم الافتقار لجواز أن توجب ذاته ذلك المحل والمحل الحلول أو توجب ذاته المحل والحلول جميعا ووجوب اللوازم والآثار عند المؤثر لا يوجب احتياجه إليها وعلى التقدير الثاني لا يلزم الانقلاب لأنا لا نسلم أن الحال في الشيء تكون محتاجا إليه كالجسم المعين يحل في الحيز المعين مع عدم احتياجه في ذاته إليه وقد يقرر بأنه إن كان مستغنيا بالذات عن المحل لم يحل فيه لأن الحال في الشيء محتاج إليه ولا شيء من الغنى بالذات كذلك وإلا أي وإن لم يكن مستغنيا بالذات لزم إمكانه وقدم المحل وهو ظاهر واعترض بأن عدم الاستغناء بالذات لا يستلزم الاحتياج بالذات ليلزم إمكانه وقدم المحل لجواز أن يكون
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»