شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٥٩
نظر أما أولا فلأن الظرف إن تعلق بوجود العلة فلا نسلم على تقدير الامتناع لزوم الانقلاب وإن تعلق بالامتناع والإمكان فلا نسلم على تقدير الامتناع لزوم الترجح بلا مرجح وقد سبق مثل ذلك في دفع ما توهم من امتناع الحادث في الأزل ثم إمكانه وأما ثانيا فلأن ما ذكر مشترك الإلزام لجريانه في العلة التامة المشتملة على الواجب وكذا في العلة التامة التي هي تكون نفس الواجب لكن بالنظر إلى وجود الحادث قال المبحث الثاني قد سبقت الدلالة على وجود الصانع بالبراهين وههنا نشير إلى وجوه إقناعية وإلى كونه من المشهورات التي لم يخالف فيها أحد ممن يعتد به بذلا للمجهود في إثبات ما هو معظم المطالب العالية بيان ذلك أنه لا يشك أحد في وجود عالم الأجسام من الأفلاك والكواكب والعناصر والمركبات المعدنية والنباتية والحيوانية وفي اختلاف صفات لها وأحوال وقد صح الاستدلال بذواتها وصفاتها لإمكانها وحدوثها على وجود صانع قديم قادر حكيم فيأتي أربعة طرق هي الشائعة فيما بين الجمهور وأشير إليها في أكثر من ثمانين موضعا من كتاب الله تعالى كقوله تعالى * (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) * وكقوله تعالى * (ومن آياته الليل والنهار والشمس) * وكقوله تعالى * (وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره) * وكقوله تعالى * (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) * وكقوله تعالى * (ألم نخلقكم من ماء مهين) * وكقوله تعالى * (ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) * إلى غير ذلك من مواضع الإرشاد إلى الاستدلال بالعالم الأعلى من الأفلاك والكواكب وحركاتها وأوضاعها والأحوال المتعلقة بها وبالعالم الأسفل من طبقات العناصر ومراتب امتزاجاتها والآثار العلوية والسفلية وأحوال المعادن والنباتات والحيوانات سيما الإنسان وما أودع بدنه مما يشهد به علم التشريح وروحه مما ذكر في علم النفس ومبنى الكل على أن افتقار الممكن إلى الموجد والحادث إلى المحدث ضروري يشهد به الفطرة وأن فاعل العجائب والغرائب على الوجه الأوفق الأصلح لا يكون إلا قادرا حكيما فإن قيل سلمنا ذلك لكن لم لا يجوز أن يكون ذلك الصانع جوهرا روحانيا من جملة الممكنات دون الواجب تعالى وتقدس فالجواب من وجوه الأول أنه يعلم بالحدس والتخمين أن الصانع لمثل هذا لا يكون إلا غنيا مطلقا يفتقر إليه كل شيء ولا يفتقر هو إلى شيء بل يكون وجوده لذاته فيكون الدليل من الإقناعيات والاستكثار منها كثيرا ما يقوي الظن بحيث يفضي إلى اليقين الثاني أن ذهن العاقل ينساق إلى أن هذا الصانع إن كان هو الواجب الخالق فذاك وإن كان مخلوقا فخالقه أولى بأن يكون قادرا حكيما ولا يذهب ذلك إلى غير النهاية الظهور بعض أدلة بطلان التسلسل فيكون
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»