شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٦٥
ما يكون من الصورة وكذا الملائكة فاتخذوا صورا وبالغوا في تحسينها وتزيينها وعبدوها لذلك الخامس أنه لما مات منهم من هو كامل المرتبة عند الله تعالى اتخذوا تمثالا على صورته وعظموه تشفعا إلى الله تعالى وتوسلا ومنهم اليهود القائلون بأن عزيرا ابن الله لما أحياه الله تعالى بعد موته وكان يقرأ التوراة عن ظهر قلبه ومنه النصارى القائلون بأن المسيح ابن الله حيث ولد بلا أب وورد في الإنجيل ذكرهما بلفظ الأب والابن والجواب أنه إن صح النقل من غير تحريف فمعنى الأبوة الربوبية وكونه المبدأ والمرجع ومعنى البنوة التوجه إلى جناب الحق عز وجل بالكلية كابن السبيل أو قصد التشريف والكرامة ولهذا نقل في الإنجيل مثل ذلك في حق الأمة أيضا حيث قال إني صاعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم وبالجملة فنفي الشركة في الألوهية ثابت عقلا وشرعا وفي استحقاق العبادة شرعا * (وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون) * (قال المبحث الثاني) الواجب ليس بجسم لأن كل جسم مركب من أجزاء عقلية هي الجنس والفصل ووجودية هي الهيولي والصورة أو الجواهر الفردة ومقدارية هي الأبعاض وكل مركب محتاج إلى جزئه ولا شيء من المحتاج بواجب وليس بعرض لأن كل عرض محتاج إلى محل يقومه إذ لا معنى له سوى ذلك ولا جوهر لأن معنى الجوهر متمكن يستغني عن المحل أو ماهية إذا وجدت كانت لا في موضوع فيكون وجوده زائدا عليه والواجب ليس كذلك على ما سبق وليس في مكان وجهه لأن المكان اسم للسطح الباطن من الحاوي المماس للسطح الظاهر من المحوي أو للفراغ الذي يشغله الجسم والجهة اسم المنتهى مأخذ الإشارة ومقصد المتحرك فلا يكونان إلا للجسم والجسماني والواجب ليس كذلك وللمتكلمين خصوصا القدماء منهم في هذه التنزيهات مسلك آخر ففي نفي الجوهرية والعرضية أن الجوهر اسم لما يتركب منه الشيء والعرض لما يستحيل بقاؤه وإن كان يصح في الشاهد جوهر قائم بنفسه وكل قائم بنفسه جوهر وكل عرض قائم بالغير وكل قائم بالغير عرض إلا أن إطلاق الاسم ليس من هذه الجهة بل من جهة ما ذكرنا بدلالة اللغة يقال فلان يجري على جوهره الشريف أي أصله وهذا الثوب جوهري أي محكم الأصل جيد الصنعة وهذا الأمر عارض أي يزول وعرض لفلان أمر أي معنى لا قرار له ولا يدوم ومنه العارض للسحاب ومن ههنا لا يجعلون الصفات القديمة القائمة بذات الله تعالى إعراضا وفي نفي الجسمية وجوه الأول أن كل جسم حادث لما سبق الثاني أن كل جسم متحيز بالضرورة والواجب ليس كذلك لما سيأتي الثالث أن الواجب لو كان جسما فإما أن يتصف بجميع صفات الأجسام فيلزم اجتماع الضدين كالحركة والسكون ونحوهما وأما أن لا يتصف بشيء فيلزم انتفاء بعض لوازم الجسم مع أن الضدين قد يكونان بحيث يمتنع خلو الجسم عنهما وأما أن يتصف بالبعض دون البعض فيلزم احتياج الواجب في صفاته إن كان
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 ... » »»