شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٥٨
من ذاته إنما يلزم لو لم يكن كل ممكن مستندا إلى ممكن آخر لا إلى نهاية وهو معنى التسلسل وإن أريد مجموع الممكنات من حيث هي فلا بد من بيان أن علتها ليست نفسها ولا جزأ منها بل خارجا عنها وذلك إحداد له إبطال التسلسل وبهذا يظهر أن الوجه الثاني مشتمل على إبطال التسلسل وتقريره أن مجموع الممكنات أعني المأخوذ بحيث لا يخرج عنه واحد منها ممكن بالطريق الأول وكل ممكن فله بالضرورة فاعل مستقل أي مستجمع بجميع شرائط التأثير وفاعل مجموع الممكنات لا يجوز أن يكون نفسها وهو ظاهر ولا كل جزء منها وإلا لزم توارد العلل المستقلة على معلول واحد مع لزوم كون الشيء علة لنفسه ولعلله لأن المستقل بعلية المركب يجب أن يكون علة لكل جزء منه إذ لو وقع شيء من الأجزاء بعلة أخرى بطل الاستقلال ولا بعض الأجزاء منه أما أولا فلأنه يلزم كونه علة لنفسه ولعلله على ما مر وأما ثانيا فلأنه معلول لجزء آخر لأن التقدير أن كل جزء فرض فهو ممكن يستند إلى ممكن آخر فلا يكون مستقلا بالفاعلية وأما ثالثا فلأن كل جزء فرض كونه مستقلا بفاعلية ذلك المجموع فعلته أولى بذلك لكونه أقدم وأكثر تأثيرا أو أقل احتياجا فلا يتعين شيء من الأجزاء لذلك فتعين كون المستقل بفاعلية مجموع الممكنات عنها والخارج عن مجموع الممكنات يكون واجبا بالضرورة وأنت خبير بأن هذا أول الأدلة المذكورة لبطلان التسلسل وقد سبق الكلام فيه تقرير أو اعتراضا وجوابا فلا حاجة إلى الإعادة الوجه الثالث مجموع الممكنات ممكن وكل ممكن فله علة بها يجب وجوده لأن الممكن مالم يجب وجوده لم يوجد على ما مر والعلة التي بها يجب وجود المجموع المركب من الممكنات الصرفة لا يجوز أن يكون بعضا من جملتها لأن كل بعض يفرض فله علة يفتقر هو إليها فلا يتحقق وجوب الوجود بالنظر إلى مجرد وجوده فتعين أن يكون خارجا عنها وهو الواجب وهذا بخلاف المجموع المفروض من الواجب والممكنات فإن بعضا منه أعني الواجب بحيث يتعين للعلية ويتحقق الوجوب بالنظر إليه ولما كان وجوب الوجود في قوة امتناع العدم كان لهذا تقرير آخر وهو أنه لا بد لمجموع الممكنات من فاعل مستقل يمتنع عدمها بالنظر إلى وجوده ولا شيء من أجزاء المجموع كذلك ولا خفاء في رجوع هذا إلى بعض أدلة إبطال التسلسل وورود المنع بأن ما بعد المعلول المحض لا إلى نهاية كذلك أي يجب به وجود المجموع ويمتنع عدمه الوجه الرابع أن العلة التامة للحادث المقارنة له في آن حدوثه ضرورة امتناع تخلف المعلول عن العلة أو تقدمه عليها لو لم تكن واجبا أو مشتملا عليه لزم المحال لأنها لو كانت ممكنة بتمامها فإما أن يكون لها علة من خارج فلا تكون تامة لاحتياج الحادث إلى تلك العلة الخارجة أيضا وقد فرضناها تامة هف وأما أن لا يكون لها علة من خارج وحينئذ إما أن يمتنع وجودها قبل ذلك الحادث فيلزم الانقلاب من الامتناع الذاتي إلى الإمكان وإما أن يمكن فيكون اختصاصها بالزمان المعين ترجحا بلا مرجح وفيه
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»