لكمالات النفوس الفلكية بمعنى أن الموجب لتلك الحركة السرمدية هو العقل لا بطريق المباشرة وإلا لكان له تعلق بالجسم من طريق التصرف فيه فلم يكن عقلا بل بطريق الإفاضة على النفس المحركة بقوته التي لا تتناهى وبقبولها منه ذلك الفيض وتأثيرها تأثيرا غير متناه عن سبيل الوساطة دون المبدائية لامتناع صدور غير المتناهي عما يتعلق بالأجسام ما لم يكن مستمدا من مبدأ عقل غير متناهي القوة ومنها أن الأخير من العقول وهو المسمى بالعقل الفعال يعطي النفوس البشرية كمالاتها ويخرجها من القوة إلى الفعل في تعقلاتها ونسبته إلى النفوس نسبة الشمس إلى الإبصار بل أتم وهو كالخزانة للمعقولات إذا أقبلنا عليه قبلنا منه وإذا اشتغلنا عنه بجانب الحس انمحت عنا الصورة العقلية كالمرآة فإنها إذا حوذي بها صورة تمثلت فيها فإذا أعرض بها عنها زال ذلك التمثل وربما تمثل فيها غير تلك الصورة على حسب ما يحاذى بها فكذا النفس إذا أعرض بها عن جانب القدس إلى جانب الحس أو إلى شيء آخر من أمور القدس ومنها أن مبدأ النفوس كلها من حيث هي نفوس يجب أن يكون من العقول إذ لا يجوز أن يكون هو الواجب لأن النفوس لا تكون إلا مع الأجسام فلا تصدر عن الواحد الحقيقي ولا أن تكون من الأجسام وأجزائها وأحوالها لأنها إنما تفعل بمشاركة الوضع فلا تؤثر فيما لا وضع له ولا من النفوس لأن الكلام في المبدأ القريب الذي تستند إليه كلية النفوس وإن كان بعضها من البعض وبهذا يتبين أن المبدأ القريب لكلية الأجسام لا يجوز أن يكون هو الواجب ولا الجسم وأجزاؤه وأحواله ولا النفس لأنها من حيث هي نفس إنما تفعل بواسطة الجسم فتعين العقل ولا يخفى ضعف هذه بعض المقدمات وابتنائها على كون الصانع موجبا لا يصدر عنه إلا الواحد قال على ما قيل إشارة إلى ما ذكره الفلاسفة في ترتيب الوجود وكيفية صدور النفوس والأجسام عن العقول وقد سبق أن أول ما يصدر عن الواجب يجب أن يكون عقلا ولا شك أن له وجودا وإمكانا في نفسه ووجوبا بالغير وعلما بذلك وبمبدائه فقيل صدر عنه باعتبار وجوده عقل وباعتبار وجوبه بالغير نفس وباعتبار إمكانه فلك إسنادا للأشرف إلى الأشرف وهكذا من العقل الثاني عقل ونفس وفلك إلى آخر ما ثبت بالبرهان من وجود الأفلاك ثم تفويض تدبير عالم العناصر إلى العقل الأخير بمعونة الأوضاع والحركات وقيل صدر عن العقل الأول باعتبار إمكانه هيولي الفلك الأعظم وباعتبار وجوده صورته وباعتبار علمه بوجوب وجوده بعلته عقله وباعتبار علمه بعلته نفسه واعلم أنه لما ثبت عندهم امتناع صدور الكثير عن الواحد الحقيقي ذكروا طريقا في صدور الكثرة عن الواحد على أنه احتمال راجح في نظرهم من غير قطع به ولم يجعلوا الوجود والإمكان ونحو ذلك عللا مستقلة بل اعتبارات وحيثيات تختلف بها أحوال العلل الموجدة على ما قال في الشفاء نحن لا نمنع أن يكون عن شيء واحد
(٥٢)