شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٣٦
من المركبات دون المجردات والجواب بعد تسليم كون النفسية من الذاتيات دون العرضيات أن التركيب العقلي من الجنس والفصل لا ينافي التجرد ولا يستلزم الجسمية واحتج الآخرون بأن اختلاف النفوس وصفاتها لو لم يكن لاختلاف ماهياتها بل لاختلاف الأمزجة والأحوال البدنية والأسباب الخارجية لكانت الأشخاص المتقاربة جدا في أحوال البدن والأسباب الخارجة متقاربة البتة في الملكات والأخلاق من الرحمة والقسوة والكرم والبخل والعفة والفجور وبالعكس واللازم باطل إذ كثيرا ما يوجد الأمر بخلاف ذلك بل ربما يوجد الإنسان الواحد قد تبدل مزاجه جدا وهو على غريزته الأولى ولا خفاء في أن هذا من الإقناعيات الضعيفة لجواز أن يكون ذلك لأسباب أخر لا نطلع على تفاصيلها قال واستنادها يعني أن النفوس الإنسانية سواء جعلناها مجردة أو مادية حادثة عندنا لكونها أثر القادر المختار وإنما الكلام في أن حدوثها قبل البدن لقوله عليه السلام خلق الله الأرواح قبل الأجساد بألفي عام أو بعده لقوله تعالى بعد ذكر أطوار البدن * (ثم أنشأناه خلقا آخر) * إشارة إلى إفاضة النفس ولا دلالة في الحديث مع كونه خبرا واحدا على أن المراد بالأرواح النفوس البشرية والجواهر العلوية ولا في الآية على أن المراد أحداث النفس أو أحداث تعلقها بالبدن وأما الفلاسفة فمنهم من جعلها قديمة لوجهين أحدهما أنها لو كانت حادثة لم تكن أبدية واللازم باطل بالاتفاق على ما سيجيء وجه اللزوم أن كل حادث فاسد أي قابل للعدم ضرورة كونه مسبوقا بالعدم وقبول العدم ينافي الأبدية لأن معناها دوام الوجود فيما يستقبل ورد بأنه إن أريد أنه قابل للعدم اللاحق فنفس المدعي وإن أريد الأعم فلا ينافي دوام وجوده لدوام علنه وثانيهما أنها لو كانت حادثة لم تكن مجردة بل مادية لما مر من أن كل حادث مسبوق بالمادة والمدة ورد بمنع الملازمة فإن ما مر على تقدير تمامه لا يفيد لزوم مادة يحلها الحادث بل يحلهما أو يتعلق بها وهذا لا ينافي كونه مجردا في ذاته وذهب أرسطو وشيعته إلى أنها حادثة لوجوه الأول أنها لو كانت قديمة لكانت قبل التعلق بالبدن معطلة ولا معطل في الطبيعة وجه اللزوم ما سيجيء في بطال التناسخ ولا يلزم ذلك فيما بعد المفارقة عن البدن لأنها تكون ملتذة بكمالاتها أو متألمة برذائلها وجهالاتها فتكون في شغل شاغل ورد بعد تسليم أن لا تعطيل في الطبيعة وأن ليس للنفس قبل البدن إدراكات وكمالات ولا تعلق لجسم آخر بأن الترصد لاكتساب الكمال شغل فلا تكون معطلة الثاني أنها مشروطة بمزاج خاص في البدن يناسبه نفس خاص
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»