شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٣٩
لو لم تتعلق لكانت معطلة ولا معطل في الوجود وكلتا المقدمتين ممنوعة الثاني أنها مجبولة على الاستكمال والاستكمال لا يكون إلا بالتعلق لأن ذلك شأن النفس وإلا لكانت عقلا لا نفسا ورد بأنه ربما كان الشيء طالبا لكماله ولا يحصل لزوال الأسباب والآلات بحيث لا يحصل لها البدل الثالث أنها قديمة لما سبق من الأدلة فتكون متناهية العدد لامتناع وجود مالا يتناهى بالفعل بخلاف ما لا يتناهى من الحوادث كالحركات والأوضاع وما يستند إليها فإنها إنما تكون على سبيل التعاقب دون الاجتماع والأبدان مطلقا بل الأبدان الإنسانية خاصة غير متناهية لأنها من الحوادث المتعاقبة المستندة إلى ما لا يتناهى من الأدوار الفلكية وأوضاعها فلو لم تتعلق كل نفس إلا ببدن واحد لزم توزع ما يتناهى على مالا يتناهى وهو محال بالضرورة ورد بمنع قدم النفوس ومنع لزوم تناهي القدماء لو ثبت فإن الأدلة إنما تمت فيما له وضع وترتيب وضع لا يتناهى الأبدان وعللها ومنع لزوم أن يتعلق بكل بدن نفس وإن أريد الأبدان التي صارت إنسانا بالفعل اقتصر على منع لا تناهيها قال والذي ثبت قد يتوهم أن من شريعتنا القول بالتناسخ فإن مسخ أهل مائدة قردة وخنازير رد لنفوسهم إلى أبدان حيوانات آخر والمعاد الجسماني رد لنفوس الكل إلى أبدان آخر إنسانية للقطع بأن الأبدان المحشورة لا تكون الأبدان الهالكة بعينها لتبدل الصور والأشكال بلا نزاع والجواب أن المتنازع هو أن النفوس بعد مفارقتها الأبدان تتعلق في الدنيا بأبدان آخر للتدبير والتصرف والاكتساب لا أن تتبدل صور الأبدان كما في المسخ أو أن تجمع أجزاؤها الأصلية بعد التفرق فترد إليها النفوس كما في المعاد على الإطلاق وكما في إحياء عيسى عليه السلام بعض الأشخاص قال وما يحكيه بعضهم يعني أن القول بالتناسخ في الجملة أي تعلق بعض النفوس بأبدان آخر في الدنيا محكى عن كثير من الفلاسفة إلا أنه حكاية لا تعضدها شبهة فضلا عن حجة ومع ذلك فالنصوص القاطعة من الكتاب والسنة ناطقة بخلافها وذلك أنهم ينكرون المعاد الجسماني أعني حشر الأجساد وكون الجنة والنار داري ثواب وعقاب ولذات وآلام حسية ويجعلون المعاد عبارة عن مفارقة النفوس الأبدان والجنة عن ابتهاجها بكمالاتها والنار عن تعلقها بأبدان حيوانات آخر تناسبها فيما اكتسبت من الأخلاق وتمكنت فيها من الهيئات معذبة بما يلقى فيها من الذل والهوان مثلا تتعلق نفس الحريص بالخنزير والسارق بالفأر والمعجب بالطاووس والشرير بالكلب ويكون لها تدرج في ذلك بحسب الأنواع والأشخاص أي تنزل من بدن إلى بدن هو أدنى في تلك الهيئة المناسبة مثلا تبتدي نفس الحريص من التعلق ببدن الخنزير ثم إلى ما دونه في ذلك حتى تنتهي إلى النمل ثم تتصل بعالم العقول عند زوال تلك الهيئة بالكلية ثم إن من المنتمين من التناسخية إلى دين الإسلام يروجون هذا الرأي بالعبارات المهذبة والاستعارات المستعذبة ويصرفون إليه بعض الآيات الواردة في أصحاب
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»