شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٩٦
ابن أبي طالب رضي الله عنه خصوصا أن يرضوا بقتل مظلوم في دارهم وترك دفن ميت في جوارهم سيما من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما وعاكف طول النهار ذاكرا وصائما شرفه رسول الله بابنتيه وبشره بالجنة وأثنى عليه فكيف يخذلونه وقد كان من زمرتهم وطول العمر في نصرتهم وعلموا سابقته في الإسلام وخاتمته إلى دار السلام لكنه لم يأذن لهم في المحاربة ولم يرض بما حاولوا من المدافعة تحاميا عن إراقة الدماء ورضا بسابق القضاء ومع ذلك لم يدع الحسن والحسين رضي الله عنهما في الدفع عنه مقدورا وكان أمر الله قدرا مقدورا قال خاتمة مرض أبو بكر رضي الله عنه مرضه الذي توفي فيه في جمادى الأخرى سنة ثلاث عشرة من الهجرة بعدما انقضت من خلافته سنتان وأربعة أشهر أو ستة أشهر فشاور الصحابة وجعل الخلافة لعمر وقال لعثمان رضي الله عنه اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد أبو بكر بن قحافة في آخر عهده بالدنيا خارجا عنها وأول عهده بالآخرة داخلا فيها حين يؤمن الكافر يوقن الفاجر ويصدق الكاذب إني أستخلف عمر بن الخطاب فإن عدل فذاك ظني به ورأيي فيه وإن بدل وجار فلكل امرئ ما اكتسب والخير أردت ولا أعلم الغيب وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وعرضت الصحيفة على جملة الصحابة فبايعوا لمن فيها حتى مرت بعلي رضي الله عنه فقال بايعنا لمن فيها وإن كان عمر فانعقدت له الإمامة بنص الإمام الحق وإجماع أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار فقام عشر سنين ونصفا يأمر بالعدل والسياسة ونظم قوانين الرياسة وتقوية الضعفاء وقهر الأعداء واستيصال الأقوياء الأغوياء وإعلاء لواء الإسلام وتنفيذ الشرايع والأحكام بحيث صار ذلك كالأمثال في الأمصار وطار كالأمطار في الأقطار واستشهد في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة على يد أبي لؤلؤة غلام للمغيرة بن شعبة طعنه وهو في الصلاة وحين علم بالموت قال ما أجد أحدا أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وجعل الخلافة شورى بينهم فاجتمعوا بعد دفن عمر رضي الله عنه فقال الزبير قد جعلت أمري إلى علي وقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف ثم جعلوا الاختيار إلى عبد الرحمن بن عوف فأخذ بيد علي رضي الله تعالى عنه وقال تبايعني على كتاب الله وسنة رسول الله وسيرة الشيخين فقال على كتاب الله وسنة رسول الله وأجتهد برأيي ثم قال مثل ذلك لعثمان فأجابه إلى ما دعاه وكرر عليهما ثلاث مرات فأجابا بالجواب الأول فبايع عثمان وبايعه الناس ورضوا بإمامته وقول علي رضي الله تعالى عنه وأجتهد برأيي ليس خلافا منه في إمامة الشيخين بل ذهابا إلى أنه لا يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر بل عليه اتباع اجتهاده وكان من مذهب عثمان وعبد الرحمن أنه يجوز إذا كان الآخر أعلم وأبصر بوجوه المقاييس ثم
(٢٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 ... » »»