الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل الفرقان بفرقانهم والله ما من آية نزلت في برا وبحرا وسهل أو جبل أو سماء أو أرض أو ليل أو نهار إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وفي أي شيء نزلت وأيضا هو أشجعهم يدل عليه كثرة جهاده في سبيل الله وحسن إقدامه في الغزوات وهي مشهورة غنية عن البيان ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار وقال صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب لضربة علي خير من عبادة الثقلين وأيضا هو أزهدهم لما تواتر من إعراضه عن لذات الدنيا مع اقتداره عليها لاتساع أبواب الدنيا عليه ولهذا قال يا دنيا إليك عني إلي تعرضت أم إلي تشوقت لا حان حينك هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير وحظك يسير وأملك حقير وقال والله لدنياكم هذه أهون في عيني من عراق خنزير في يد مجذوم وقال والله لنعيم دنياكم هذه أهون عندي من عيطة عنز وأيضا هو أكثرهم عبادة حتى روي أن جبهته صارت كركبة البعير لطول سجوده وأكثرهم سخاوة حتى نزل فيه وفي أهل بيته * (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) * وأشرفهم خلقا وطلاقة وجه حتى نسب إلى الدعابة وأحلمهم حتى ترك ابن ملجم في دياره وجواره يعطيه العطاء مع علمه بحاله وعفا عن مروان حين أخذ يوم الجمل مع شدة عداوته له وقوله فيه سيلقى الأمة منه ومن ولده يوما أحمر وأيضا هو أفصحهم لسانا على ما يشهد به كتاب نهج البلاغة وأسبقهم إسلاما على ما روي أنه بعث النبي يوم الاثنين وأسلم علي يوم الثلاثاء وبالجملة فمناقبه أظهر من أن تخفى وأكثر من أن تحصى والجواب أنه لا كلام في عموم مناقبه ووفور فضائله واتصافه بالكمالات واختصاصه بالكرامات إلا أنه لا يدل على الأفضلية بمعنى زيادة الثواب والكرامة عند الله بعدما ثبت من الاتفاق الجاري مجرى الإجماع على أفضلية أبي بكر ثم عمر والاعتراف من علي بذلك على أن فيما ذكر مواضع بحث لا تخفى على المحصل مثل أن المراد بأنفسنا نفس النبي صلى الله عليه وسلم كما يقال دعوت نفسي إلى كذا وأن وجوب المحبة وثبوت النصرة على تقدير تحققه في حق علي رضي الله عنه فلا اختصاص به وكذا الكمالات الثابتة للمذكورين من الأنبياء وأن أحب خلقك يحتمل تخصيص أبي بكر وعمر منه عملا بأدلة أفضليتهما ويحتمل أن يراد أحب الخلق إليك في أن يأكل معه وإن حكم الأخوة ثابت في حق أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما أيضا حيث قال في حق أبي بكر لكنه أخي وصاحبي ووزيري وقال في عثمان أخي ورفيقي في الجنة وأما حديث العلم والشجاعة فلم تقع حادثة إلا ولأبي بكر وعمر فيه رأي وعند الاختلاف لم يكن يرجع إلى قول علي رضي الله تعالى عنه البتة بل قد وقد ولم يكن رباط الجيش وشجاعة القلب وترك الاكتراث في المهالك في أبي بكر أقل من أحد سيما فيما وقع بعد النبي صلى الله عليه وسلم من حوادث يكاد يصيب وهنا في الإسلام وليس الخير في هداية
(٣٠١)