شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٢٩١
من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وتقريره أن المنزلة اسم جنس ضعيف فعم كما إذا عرف باللام بدليل صحة الاستثناء وإذا استثنى منها مرتبة النبوة بقيت عامة في باقي المنازل التي من جملتها كونه خليفة له ومتوليا في تدبير الأمر ومتصرفا في مصالح العامة ورئيسا مفترض الطاعة لو عاش بعده إذ لا يليق بمرتبة النبوة زوال هذه المرتبة الرفيعة الثابتة في حياة موسى عليه السلام بوفاته وإذ قد صرح بنفي النبوة لم يكن ذلك إلا بطريق الإمامة والجواب منع التواتر بل هو خبر واحد في مقابلة الإجماع ومنع عموم المنازل بل غاية الاسم المفرد المضاف إلى العلم الإطلاق وربما يدعى كونه معهودا معينا كغلام زيد وليس الاستثناء المذكور إخراجا لبعض أفراد المنزلة بمنزلة قولك إلا النبوة بل منقطع بمعنى لكن على ما لا يخفى على أهل العربية فلا يدل على العموم كيف ومن منازله الأخوة في النسب ولم يثبت لعلي اللهم إلا أن يقال أنها بمنزلة المستثنى لظهور انتفائها ولو سلم العموم فليس من منازل هارون الخلافة والتصرف بطريق النيابة على ما هو مقتضى إلإمامة لأنه شريك له في النبوة وقوله اخلفني ليس استخلافا بل مبالغة وتأكيدا في القيام بأمرالقوم ولو سلم فلا دلالة على بقائها بعد الموت وليس انتفاؤها بموت المستخلف عزلا ولا نقصا بل ربما يكون عودا إلى حالة أكمل هي الاستقلال بالنبوة والتبليغ من الله تعالى ولو سلم فتصرف هارون عليه السلام ونفاذ أمره لو بقي بعد موسى إنما يكون لنبوته وقد انتفت النبوة في حق علي رضي الله تعالى فينتفي ما يبتنى عليها ويتسبب عنها وأما الجواب بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى غزوة تبوك استخلف عليا على المدينة فأكثر أهل النفاق في ذلك فقال علي يا رسول الله أتتركني مع الاختلاف فقال صلى الله عليه وسلم أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وهذا لا يدل خلافته بعده كابن أم مكتوم رضي الله تعالى عنه استخلفه على المدينة في كثير من غزواته فربما يدفع بأن العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب بل ربما يحتج بأن استخلافه على المدينة وعدم عزله عنها مع أنه لا قائل بالفصل وأن الاحتياج إلى الخليفة بعد الوفاة أشد وأوكد منه حال الغيبة يدل على كونه خليفة قال الرابع هذه أخبار يدعون أنها نصوص جلية من النبي صلى الله عليه وسلم على خلافة علي رضي الله تعالى عنه وهو قوله صلى الله عليه وسلم مخاطبا لأصحابه سلموا عليه يإمرة المؤمنين الضمير لعلي والإمرة بالكسر الإمارة من أمر الرجل صار أميرا وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله تعالى عنه أنت الخليفة من بعدي وقوله عليه الصلاة والسلام أنه أمام المتقين وقائد الغر المحجلين وقوله صلى الله عليه وسلم وقد أخذ بيد علي هذا خليفتي عليكم وقوله عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله تعالى عنه أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني بالكسر والجواب ما مر أنها أخبار آحاد في مقابلة الإجماع وأنها لو صحت لما خفيت على الصحابة والتابعين
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»