شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ٢ - الصفحة ٣٠٧
لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق وذهبوا إلى أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق صونا لعقائد المسلمين عن الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة سيما المهاجرين منهم والأنصار والمبشرين بالثواب في دار القرار وأما ما جرى بعدهم من الظلم على أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فمن الظهور بحيث لا مجال للإخفاء ومن الشناعة بحيث لا اشتباه على الآراء إذ تكاد تشهد به الجماد والعجماء ويبكي له من في الأرض والسماء وتنهد منه الجبال وتنشق الصخور ويبقى سوء عمله على كر الشهور ومر الدهور فلعنة الله على من باشر أو رضي أو سعى ولعذاب الآخرة أشد وأبقى فإن قيل فمن علماء المذهب من لم يجوز اللعن على يزيد مع علمهم بأنه يستحق ما يربوا على ذلك ويزيد قلنا تحاميا عن أن يرتقي إلى الأعلى فالأعلى كما هو شعار الروافض على ما يروى في أدعيتهم ويجري في أنديتهم فرأى المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية طريقا إلى الاقتصاد في الاعتقاد وبحيث لا تزل الأقدام على السواء ولا تضل الأفهام بالأهواء وإلا فمن يخفى عليه الجواز والاستحقاق وكيف لا يقع عليهما الاتفاق وهذا هو السر فيما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال وسد طريق لا يؤمن أن يجر إلى الغواية في المآل مع علمهم بحقيقة الحال وجلية المقال وقد انكشف لنا ذلك حين اضطربت الأحوال واشرأبت الأهوال وحيث لا متسع ولا مجال والمشتكى إلى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعالي قال خاتمة مما يلحق بباب الإمامة بحث خروج المهدي ونزول عيسى صلى الله عليه وسلم وهما من أشراط الساعة وقد وردت في هذا الباب أخبار صحاح وإن كانت آحادا ويشبه أن يكون حديث خروج الدجال متواتر المعنى أما خروج المهدي فعن ابن عباس رضي تعالى عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي بواطيء اسمه اسمي وعن ابن سلمة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول المهدي من عترتي من ولد فاطمة وعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملك سبع سنين وعنه رضي الله عنه قال ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلاء يصيب هذه الأمة حتى لا يجد الرجل ملجأ يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلا من عترتي فيملأ به الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما فذهب العلماء إلى أنه إمام عادل من ولد فاطمة رضي الله عنها يخلقه الله تعالى متى شاء ويبعثه نصرة لدينه وزعمت الإمامية من الشيعة أنه محمد بن الحسن العسكري اختفى عن الناس خوفا من الأعداء ولا استحالة في طول عمره كنوح ولقمان والخضر عليهم السلام وأنكر ذلك سائر الفرق لأنه ادعاء أمر يستبعد جدا إذ لم يعهد في هذه الأمة مثل هذه الأعمار من غير دليل عليه ولا إمارة ولا إشارة إقامة من النبي صلى الله عليه وسلم ولأن
(٣٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 311 » »»