شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٩٨
المسافة جزء من الحركة والزمان ليلزم عدم تناهيهما وثانيهما القول بالظفرة وهو أن يترك المتحرك حدا من المسافة ويحصل في حد آخر من غير محاذاة وملاقاة لما بينهما وحاصله قطع بعض حدود المسافة من غير ملاقاة لأجزائه و ح لا يلزم امتناع أن يصل المتحرك إلى غاية ما أو يلحق السريع البطيء وكلا الأمرين باطل بالضرورة أما التداخل فلأن حاصله تساوي الكل والجزء في العظم وأما الطفرة فلأن معناها يؤول إلى قطع مسافة ما من غير حركة فيها وقطع لأجزائها ومن الشواهد الحسية لبطلانها أنا نمد القلم فيحصل خط أسود من غير أن يبقى في خلاله أجزاء بيض وليس ذلك لفرط اختلاط الأجزاء البيض بالسود بحيث لا يمتاز عند الحس لأن الأجزاء الممسوسة أقل من المطفور عنها بكثير بل لا نسبة لها إليها لكونها غير متناهية فينبغي أن يقع الإحساس بالبيض وقد يستدل على نفي التداخل بأنه إن كان بالأسر بمعنى أن يلاقي الجزء بكليته الجزء الآخر بحيث يصير حيزاهما واحدا لم يكن الوسطاني حاجبا للطرفين عن التماس وبقي الإشكال بالنظر إلى الأجزاء المتماسة بل لو وقع ذلك في جميع الأجزاء لم يحصل هناك حجم وتأليف وامتداد في الجهات فلم يحصل الجسم وإن كان لا بالأسر وذلك بأن يلاقي الجزء الجزء ويداخله بشيء دون شيء لزم التجزيء ولو بالفرض مع بقاء الأشكال بحاله واعلم أن النظام لم يقل بتأليف الجسم من أجزاء غير متناهية لكنه لما قال بالجزء ونظر في أدلة نفيه سيما ما تتعلق بلزوم بطلان حكم الحس كتفكك الرحى ونحوه اضطر إلى الحكم بأن كل جزء فهو قابل للانقسام لا إلى نهاية ولما كان من مذهبه أن حصول الأقسام من لوازم قبول الانقسام لزمه القول بلاتناهي الأجزاء فاضطر في قطع المسافة ولحوق السريع البطيء إلى الطفرة فاستمر التشنيع بطفرة النظام وتفكك رحى أهل الكلام فإن قيل المذكور في كتب المعتزلة أن الجسم عند النظام مركب من اللون والطعم والرائحة ونحو ذلك من الأعراض قلنا نعم إلا أن هذه عنده جواهر لا أعراض وتحقيق ذلك على ما لخصناه من كتبهم أن مثل الأكوان والاعتقادات والآلام واللذات وما أشبه ذلك أعراض لا دخل لها في حقيقة الجسم وفاقا وأما الألوان والأضواء والطعوم والروائح والأصوات والكيفيات الملموسة من الحرارة والبرودة وغيرهما فعند النظام جواهر بل أجسام حتى صرح بأن كلا من ذلك جسم لطيف من جواهر مجتمعة ثم أن تلك الأجسام اللطيفة إذا اجتمعت وتداخلت صارت الجسم الكثيف الذي هو الجماد وأما الروح فجسم لطيف هو شيء واحد والحيوان كله من جنس واحد وعند الجمهور كلها أعراض إلا أن الجسم عند ضرار بن عمرو والحسين النجار مجموع من تلك الأعراض وعند الآخرين جواهر مجتمعة تحلها تلك الأعراض فما وقع في المواقف من أن الجسم ليس مجموع أعراض مجتمعة خلافا للنظام والنجار ليس على ما ينبغي والصواب مكان النظام ضرار على ما في سائر الكتب ويمكن أن يقال الكلام فيما هو جسم اتفاقا
(٢٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 303 ... » »»