إلى عدة أصول يتفرع على كل منها وجوه من الاستدلال فجعلت بمنزلة الطرق وأشير في عنوان كل منها إلى وجه الضعف ومورد المنع فمنها ما يبتنى على أن تعدد جهات الشيء ونهاياته تستلزم الانقسام في ذاته وهي وجوه الأول أنه لو وجد الجزء أي الجوهر المتحيز الذي لا انقسام فيه أصلا لتعددت جهاته ضرورة فتتعدد جوانبه وأطرافه لأن ما منه إلى اليمين غير ما منه إلى اليسار وكذا الفوق والتحت والقدام والخلف فيلزم انقسامه على تقدير عدم انقسامه وهو محال الثاني أنه إذا انضم جزء إلى جزء فإما أن يلاقيه بالكلية بحيث لا يزيد حيز الجزئين على حيز الجزء الواحد فيلزم أن لا يحصل من انضمام الأجزاء حجم ومقدار فلا يحصل جسم أو لا بالكلية بل بشيء دون شيء فيكون له طرفان وهو معنى الانقسام الثالث أنه إذا تماست ثلاثة أجزاء على الترتيب بأن يكون واحد منها بين اثنين فالوسطاني إما أن يمنع الآخرين عن التلاقي والتماس فيكون وجهه الذي يلاقي أحدهما غير الذي يلاقي الآخر فينقسم وإما أن لا يمنعهما فلا يحصل من اجتماع الجزئين حجم ومقدار وهكذا في الثالث والرابع فلا يحصل الحجم الرابع أنا نفرض صفحة من أجزاء لا تتجزأ بحيث يكون له الطول والعرض فقط فإذا أشرقت عليها الشمس فبالضرورة يكون وجهها المقابل للشمس المضيء بها غير الوجه الآخر فينقسم الخامس أنه إذا وقع جزء لا يتجزأ على ملتقى جزئين آخرين لزم انقسام الثالث أما الملازمة فلأن التماس بينه وبين كل منهما إنما يكون بالبعض أي يكون شيء منه مماسا لشيء من هذا وشئ آخر مماسا لشيء من ذاك إذ لو ماس أحدهما بالكلية لكان عليه لا على الملتقى وأما بيان حقيقة الملزوم فبوجوه (1) أن نفرض الجزء على الملتقى وفيه مناقشة لا تخفى (2) أن يتحرك من جزء إلى جزء فاتصافه بالحركة إنما يكون عند كونه على الملتقى لا على الأول إذ لم تبتدأ الحركة ولا على الثاني إذ قد انقطعت (3) أن تفرض خطا من أربعة أجزاء فوق الأول جزء وتحت الرابع جزء ثم تفرض مرور الفوقاني والتحتاني على الخط بحركة على السواء مع اتفاق في الابتداء أي تكون الحركتان على حد واحد من السرعة والبطء فيكون ابتداؤهما معا فبالضرورة تتحاذيان على ملتقى الثاني والثالث أي حيث يكون الفوقاني فوق الملتقى والتحتاني تحته (4) أن نفرض خطا من خمسة أجزاء فوق الأول جزء وفوق الخامس جزء ثم أخذا معا في حركة على السواء إلى حد الالتقاء فبالضرورة يكون ذلك في وسط الخط أعني الجزء الثالث فيكون هو ملتقاهما من تحت ولا يخفى أن هذه البيانات إنما تتم على من يجوز وجود الجوهر الفرد على الانفراد ثم حركته على الإطلاق ثم حركته على الانحناء المخصوصة المؤدية إلى المحال وأما ما ذكر في بعض كتب المعتزلة من أن الوجوه المذكورة إنما تدل على الانقسام بالوهم ونحن نعني بالجزء مالا ينقسم بالفعل فرجوع إلى مذهب ذيمقراطيس (قوله ومنها) اي ومن طرق الاحتجاج على نفي الجزء
(٣٠٠)