شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢٩٤
الثالث أن الأقسام لو لم تكن حاصلة بالفعل متميزة بعضها عن البعض لما اختلفت خواصها ضرورة واللازم باطل لأن مقطع النصف غير مقطع الثلث وكذا الربع والخمس وغيرهما فيكون الجزء الذي هو مقطع النصف متميزا عن الذي هو مقطع الربع وهكذا غيره وأجيب بمنع الملازمة فإن اختلاف الخواص إنما حصل بعد فرض الانقسام وذلك أن النصفية والثلثية والربعية وغير ذلك إضافات واعتبارات يحكم بها العقل عند اعتبار الانقسام وكذا مقاطعهما فإن ادعي أن ما هو قابل لأن يكون مقطع النصف عند فرض الانقسام متميز بالفعل عما هو قابل لأن يكون مقطع الربع مثلا فهو نفس المتنازع وحاصله أنه لا امتناع في اتصاف الأجزاء الفرضية بالصفات الحقيقية كالضوء والظلام في القمر فضلا عن الاعتبارية لا يقال الانقسامات عندهم غير متناهية وهو يستلزم لاتناهي الانقسام وما لا نهاية له لا يتصور له نصف أو ثلث أو ربع أو غيرها لأنا نقول إنما يمتنع ذلك فيما هو غير متناه بحسب كميته المتصلة أو المنفصلة وأما فيما هو متناهي المقدار لكنه قابل لانقسامات غير متناهية فلا وإنما يمتنع لو كانت هناك أقسام بالفعل غير متناهية بالعدد وليس كذلك إذ ليس معنى قبول الجسم لانقسامات غير متناهية أنه يمكن خروجها من القوة إلى الفعل بل أنه من شأنه وقوته أن ينقسم دائما ولا ينتهي انقسامه إلى حد لا يمكن انقسامه كما أن مقدورات الله تعالى غير متناهية بمعنى أن قدرته لا تنتهي إلى حد لا يكون قادرا على أزيد منه فليعتبر حال قابلية الجسم للانقسام إلى الأجزاء بحال فاعلية الباري تعالى للأشياء على أن ما ذكر لو تم فإنما يدل على تناهي الانقسامات لا على حصول الأجزاء بالفعل (قال وثانيهما) أي الطريق الثاني للمتكلمين إثبات جوهر في الجسم لا يقبل الانقسام أصلا أي لا قطعا ولا كسرا ولا وهما ولا فرضا والفرق بينها أن القطع يفتقر إلى آلة نفاذة بخلاف الكسر ثم أنهما يؤديان إلى الافتراق بخلاف الوهمي والفرضي والوهمي إذا أريد به ما يكون بمعونة القوة الوهمية التي هي سلطان القوى الحسية قد يقف أي لا يقدر على تقسيمات غير متناهية لما تقرر عندهم من تناهي أفعال القوى الجسمانية بخلاف فرض العقل فإن العقل يتعلق الكليات المشتملة على الصغيرة والكبيرة والمتناهية وغير المتناهية فإن قيل إثبات الجوهر الفرد لا يفيد المطلوب أعني تركب الجسم منها قلنا نعم إلا أنه يكفي لدفع ما يدعيه الفلاسفة من امتناعه على أن بعض الوجوه المذكورة مما يفيد أصل المطلوب وبالجملة فلهم في هذا الطريق مسالك منها ما يبتنى على أن
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»