القريب أو البعيد فظهر أن في معرفة جهة الصوت وحده من القرب والبعد دلالة على مطلوبين من جهة أنها تدل على أن القائم بالهواء الخارج من الصماخ أيضا مسموع وذلك يدل على أنه هناك موجود وهذا ما قال الإمام أن التمييز بين الجهات والقريب والبعيد من الأصوات لما كان حاصلا علمنا أنا ندرك الأصوات الخارجية حيث هي ولا يمكننا أن ندركها حيث هي إلا وهي موجودة خارج الصماخ وما أورد من الأشكال وهو أن المدرك بالسمع لما لم يكن إلا الصوت دون الجهة لم يكن كون الصوت حاصلا في تلك الجهة مدركا له بل مدركة الصوت الذي في تلك الجهة لا من حيث هو في تلك الجهة بل من حيث أنه صوت فقط وهذا لا يختلف باختلاف الجهات فكيف يوجب إدراك الجهة ليس بشيء لأنهم لا يجعلون كون الصوت في تلك الجهة مدركا بالسمع إلا بمعنى إنا نعرف بسماع الصوت في تلك الجهة أنه هناك كما نعرف بذوق الحلاوة أو شم الرائحة من هذا الجسم أنها منه وإن لم يكن الجسم من المذوقات أو المشمومات وأما السبب في ذلك فحاصل ما ذكروا فيه أنا بعدما أدركنا الصوت عند الصماخ نتبعه بتأملنا فيتأدى إدراكنا من الذي يصل إلينا إلى ما قبله فما قبله من جهته ومبدأ وروده فإن كان بقي منه شيء متأديا أدركناه إلى حيث ينقطع ويفنى و ح بدرك لوارد وموروده وما بقي منه موجود أو جهته وبعد مورده وقربه وما بقي من قوة أمواجه وضعفها ولذلك يدرك البعيد ضعيفا لأنه يضعف تموجه حتى لو لم يبق في المسافة أثر ينتهي بنا إلى المبدأ لم يعلم من قدر البعد إلا بقدر ما بقي قال ويدل على كون إدراكه بوصول الهواء رأى الفلاسفة أنه إذا وجد سبب الصوت في موضع تكيف هواء ذلك الموضع بذلك الصوت ثم المجاور فالمجاور في جميع الجهات إلى حد ما بحسب شدة الصوت وضعفه ولا يسمعه إلا المسامع التي تقع في تلك المسافة ويصل إليها ذلك الهواء وتمسكوا بوجوه الأول أن الصوت يميل مع هبوب الريح ولا يسمعه من كان الهبوب من جهته لعدم وصول الهواء إلى صماخه فلو لم يكن الهواء حاملا له ولم يتوقف السماع على وصول ذلك الهواء لما كان كذلك.
الثاني أن من وضع طرف أنبوبة في فمه وطرفها الآخر في صماخ إنسان وتكلم منها بصوت عال سمعه ذلك الإنسان دون غيره من الحاضرين وما ذلك إلا بمنع الأنبوبة وصول الهواء الحامل للصوت إلى أصمختهم الثالث إنا نرى سبب الصوت كضرب الفأس على الخشبة مثلا ويتأخر سماع الصوت عنه زمانا يتفاوت بحسب تفاوت المسافة قربا وبعدا فلولا أن السماع يتوقف على وصول الهواء لما كان كذلك وأجيب عن الكل بأن غايتها الدوران وهو لا يفيد القطع بالسببية فيجوز أن يكون ميل الصوت مع الرياح واختصاص صاحب الأنبوبة بالسماع وتأخر السماع عن ضرب الفأس بسبب آخر فلا يدل توقف السماع على وصول هواء حامل للصوت والحق أن هذه إمارات ربما تفيد اليقين الحدسي للناظر وإن لم تقم