شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ٢١٦
الضوء لزم الدور ضعيف لأنه إن أراد بالمشروحة توقف السبق فممنوع أو المعية فغير محال على أنه قد صرح بوجود الضوء بدون اللون كما في البلور المرئي بالليل قال النوع الثالث من الكيفيات المحسوسة المسموعات وهي الأصوات والحروف والصوت عندنا يحدث بمحض خلق الله تعالى من غير تأثير لتموج الهواء والقرع والقلع كسائر الحوادث وكثيرا ما تورد الآراء الباطلة للفلاسفة من غير تعرض لبيان البطلان إلا فيما يحتاج إلى زيادة بيان والصوت عندهم كيفية تحدث في الهواء بسبب تموجه المعلول للقرع الذي هو إمساس عنيف والقلع الذي هو تفريق عنيف بشرط مقاومة المقروع للقارع والمقلوع للقالع كما في قرع الماء وقلع الكرباس بخلاف القطن لعدم المقاومة والمراد بالتموج حالة مشبهة بتموج الماء تحدث بصدم بعد صدم مع سكون بعد سكون وليس الصوت نفس التموج أو نفس القرع والقلع على ما توهمه بعضهم بناء على اشتباه الشيء بسببه القريب أو البعيد لأن التموج والقرع والقلع ليست من المسموعات قطعا بل ربما يدرك الأول باللمس والآخران بالبصر وقد يتوهم أنه لا وجود للصوت في الخارج وإنما يحدث في الحس عند وصول الهواء المتموج إلى الصماخ واستدل على بطلان ذلك بأنه لو لم يوجد إلا في الحس لما أدرك عند سماعه جهته وحده من القرب والبعد لأن التقدير إنه لا وجود له في مكان وجهة خارج الحس واللازم باطل قطعا لأنا إذا سمعنا الصوت نعرف أنه وصل إلينا من جهة اليمين أو اليسار ومن مكان قريب أو بعيد لا يقال يجوز أن يكون إدراك الجهة لأجل أن الهواء المتموج يجيء منها ويميز القريب والبعيد لأجل أن أثر القارع القريب أقوى من البعيد وإن لم يكن الصوت موجودا في الجهة والمسافة لأنا نقول لو صح الأول لما أدركت الجهة التي على خلاف الأذن السامعة وليس كذلك لأن السامع قد يسد أذنه اليمنى ويجيء الصوت من يمينه فيسمعه بأذنه اليسرى ويعرف أنه جاء من يمينه مع القطع بأن الهواء المتموج لا يصل إلى اليسرى الا بعد الانعطاف عن اليمين ولو صح الثاني لزم أن يشتبه القوة والضعف بالقرب والبعد فلم يميز بين البعيد القوي والقريب الضعيف وظن في الصورتين المتساويتين في القرب والبعد المختلفتين بالقوة والضعف أنهما مختلفان في القرب والبعد وليس كذلك ولهم تردد في مقام آخر وهو أنه إذا وصل الهواء المتموج إلى الصماخ فالمسموع هو الصوت القائم بالهواء الواصل فقط أو بالهواء الخارج أيضا والحق هو الأخير بدليل إدراك جهة الصوت وحده من القرب والبعد فإنه لو لم يقع الإحساس به إلا من حيث أنه في الهواء الواصل إلى الصماخ دون الخارج الذي هو مبدأ حدوث الصوت أو وسطه لم يكن عند الحس فرق بين هذا وبين ما إذا لم يوجد خارج الصماخ إصلا فلم يعرف جهته ولا قربه أو بعده كما أن اللمس لما لم يدرك الملموس إلا من حيث انتهى إليه لا من حيث أنه في أول المسافة لم يميز بين وروده من اليمين أو اليسار ومن
(٢١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 ... » »»