ما قالوا أن طعم الهندبا مركب من المرارة والتفاهة لا مرارة محضة (قال النوع الخامس المشمومات) وليس فيها محل بحث واعلم أنهم وإن أجروا هذه الأوصاف أعني المبصرات والمسموعات والملموسات والمذوقات والمشمومات على الأنواع الخمسة من الكيفيات بل جعلوها بمنزلة الأسماء لها فهي بحسب اللغة متفاوتة في الوقوع على الكيفية أو على المحل أو عليهما جميعا وفي كون مصادرها موضوعة لذلك النوع من الإدراك كالإبصار والسماع أو لما يفضي إليه كالبواقي ومن ههنا يقال أبصرت الورد وحمرته وسمعت الصوت لا مصوته ولمست الحرير لا لينه وذقت الطعام وحلاوته وشممت العنبر ورائحته (قال القسم الثاني) أي من الأقسام الأربعة للكيف الكيفيات المختصة بذوات الأنفس الحيوانية بمعنى أنها إنما تكون من بين الأجسام للحيوان دون النبات والجماد فلا يمتنع ثبوت بعضها لبعض المجردات من الواجب تعالى وغيره على أن القائلين بثبوت صفة الحياة والعلم والقدرة ونحوها للواجب لا يجعلونها من جنس الكيفيات والأعراض ثم الكيفية النفسانية إن كانت راسخة سميت ملكة وإلا فحالا فالتمايز بينهما قد لا يكون إلا بعارض بأن تكون الصفة حالا ثم تصير بعينها ملكة كما أن الشخص من الإنسان يكون صبيا ثم يصير شيخا ومثل ذلك وإن كان سبق إلى الوهم ويقع في بعض العبارات أنه هو ذلك الشخص بعينه فليس كذلك بحسب الحقيقة للقطع بتغاير العوارض المشخصة (قال فمنها الحياة) سيجيء معنى الحياة في حق الله تعالى وأما حياة الحي من الأجسام فقد اختلفت العبارات في تفسيرها لا من جهة اختلاف في حقيقتها بل من جهة عسر الاطلاع عليها والتعبير عنها إلا باعتبار اللوازم والآثار فقيل هي صفة تقتضي الحس والحركة مشروطة باعتدال المزاج والقيد الأخير للتحقيق على ما هو رأي البعض لا للاحتراز وقيل قوة هي مبدأ لقوة الحس والحركة وكان هذا هو المراد بالأول ليتميز عن قوة الحس والحركة وقيل قوة تتبع اعتدال النوع ويفيض عنها سائر القوى الحيوانية أي المدركة والمحركة على ما سيجيء تفصيلها ومعنى اعتدال النوع هو أن لكل نوع من المركبات العنصرية مزاجا خاصا هو أصلح الأمزجة بالنسبة إليه بحيث إذا خرج عن ذلك المزاج لم يكن ذلك النوع ثم لكل صنف من ذلك النوع ولكل شخص من ذلك الصنف مزاج يخصه هو أصلح بالنسبة إليه ويسمى الأول اعتدالا نوعيا والثاني صنفيا والثالث شخصيا ولهذا زيادة تفصيل وتحقيق يذكر في بحث المزاج فإذا حصل في المركب اعتدال يليق بنوع من أنواع الحيوان فاض عليه قوة الحياة فانبعثت عنها بإذن الله تعالى الحواس الظاهرة والباطنة والقوى المحركة نحو جلب المنافع ودفع المضار فتكون الحياة مشروطة باعتدال المزاج ومبدأ القوة الحس والحركة فتغايرهما بالضرورة وكذا تغاير القوة الغاذية لوجودها في النبات بخلاف الحياة لكن هذا إنما يتم لو ثبت أن الحياة مبدأ لقوة الحس والحركة لا نفسها
(٢٢٢)