وجودها العقلي بواسطة أنه يحتاج إلى علته الفاعلية وهي في كونها علة تحتاج إلى تصور الغائية ضرورة أن الفاعل مالم يتصور غاية مالا يفعل إلا لغاية لم يفعله ومن ههنا قالوا أن الغاية بماهيتها أي بصورتها الذهنية علة لفاعلية الفاعل وبانيتها أي هويتها الخارجية معلول للفاعل بل لمعلوله الذي هو ما له الغاية فإن النجار يتصور الجلوس على السرير فيوجده ثم يوجد الجلوس عليه وللقوم عبارة أخرى وهو أن الغاية بالوجود الذهني علة وبالوجود العيني معلول وهذا معنى قولهم أول الفكر آخر العمل فإن قيل الغاية قد لا تكون معلولا بل قديما كما يقال الواجب تعالى غاية الغايات وقد لا يكون مقصودا للفاعل وإن كان مختارا كالعثور على الكنز في حفر البئر وقد لا يكون للفاعل قصد واختيار كغاية الحركات الغير الإرادية مثل الوصول إلى الأرض كهبوط الحجر قلنا قد تطلق الغاية على ما ينتهي إليه الفعل وإن لم يكن مقصودا وبهذا الاعتبار أثبتوا للقوى الطبيعية والأسباب الاتفاقية غايات وقالوا ما يتأدى إليه السبب إن كان تأديته دائما أو أكثريا فهي غاية ذاتية وإلا فاتفاقية كمن حفر بئرا فوجد كنزا وتحقيقه أن العلة قد تتوقف عليته على أمور خارجة عن ذاتها غير دائمة ولا أكثرية معها فيقال لها بدون تلك الشرايط علة اتفاقية فإن اتفق حصول تلك الشرائط معها ترتب المعلول عليها لا محالة فيسمى ذلك المعلول باعتبار النسبة إلى العلة وحدها غاية اتفاقية وإن كان باعتبار النسبة إليها مع جميع الشرائط غاية ذاتية قال تنبيه أكثر الأحكام السابقة للعلة الفاعلية لمعنى المؤثر كالانقسام إلى البسيطة والمركبة وإلى الكلية والجزئية وككونها معلولا لأمر آخر وككونها متناهية الآثار إلى غير ذلك إنما هي على رأي من يجعل بعض الممكنات مؤثرا في البعض كالفلاسفة وكثير من المليين وأما على رأي القائلين باستناد الكل إلى الله تعالى ابتداء فمعنى علية الممكن للشيء جرى العادة بأن الله يخلق ذلك الشيء عقيب ذلك الممكن بحيث يتبادر إلى العقل أن وجوده موقوف على وجوده بحيث يصح أن يقال وجد فوجد من غير أن يكون له تأثير فيه فعلة الاحتراق تكون هي النار لا الماء وإن وجد عقيب مماستهما وعلة أكل زيد لا يكون شرب عمرو وإن وجد عقيبه قال المقصد الثالث في الإعراض وفيه فصول خمسة في المباحث الكلية وفي الكم وفي الكيف وفي الابن وفي باقي الأعراض النسبية وجعل الابن فصلا على حدة لكثرة مباحثه وجعل المبحث الأول من الكليات لتقسيم الموجود لينساق إلى بيان أقسام الأعراض أما عند المتكلمين فالموجود إن لم يكن مسبوقا بالعدم فقديم وإن كان مسبوقا به فحادث فالقديم هو الواجب تعالى وصفاته الحقيقية لما سيجيء من حدوث العالم والحادث إما متحيز بالذات وهو الجوهر بأقسامه التي ستأتي وإما حال في المتحيز بالذات وهو العرض
(١٧٣)