شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٧٨
وكأنه يدعي القطع ببقاء التأليف دون زوال تأليف وحدوث آخر (قال المبحث الثالث) اتفق المتكلمون والحكماء على امتناع انتقال العرض من محل إلى آخر لما سبق من أن معنى قيام العرض بالمحل هو أن وجوده في نفسه هو وجوده في محله فيكون زواله عن ذلك المحل زوالا لوجوده في نفسه فما يوجد فيما يجاور النار من الحرارة أو المسك من الرائحة أو نحو ذلك ليس بطريق الانتقال إليه بل الحدوث فيه بإحداث الفاعل المختار عندنا وبحصول الاستعداد للمحل ثم الإفاضة عليه من المبدأ عندهم وأقوى ما ذكر في كلام القوم من الاحتجاج على هذا المطلوب وجوه (1) وهو للمتكلمين أن كل عرض غير متخير بالذات ضرورة أنه من خواص الجوهر ولا شيء من غير المتحيز بالذات بمنتقل ضرورة أن الانتقال عبارة عن الحركة الأينية أي الحصول في حيز بعد الحصول في آخر بمعنى الحدوث لا بمعنى الثبات فيه لأنه سكون ورد بأن كون الانتقال عبارة عن الحصول في الحيز بعد الحصول في آخر إنما هو انتقال الجوهر وإما انتقال العرض فعبارة عن الحصول في موضوع بعد الحصول في موضوع آخر ولا نسلم أنه من خواص المتحيز (2) وهو للحكماء أن تشخص العرض لا يجوز أن يكون لماهيته والألزم انحصار الماهية في شخص ضرورة امتناع تخلف المعلول عن علته الموجبة ولا لما هو حال في العرض والألزم الدور لأن الحال في الشيء محتاج إليه متأخر عنه في الوجود فلو كان علة لتشخصه لكان متقدما عليه ولا لأمر منفصل عنه لأن نسبته إلى الكل على السواء فإفادته هذا التشخص دون ذاك ترجح بلا مرجح ولا لهويته على ما أورده صاحب المواقف سندا لمنع الحصر لأن الهوية تطلق على التشخص وعلى الوجود الخارجي وعلى الماهية من حيث كونها مشخصة وشئ من هذه المعاني ليس بمتقدم على التشخص ليكون علة له فتعين أن يكون تشخص العرض بمحله فإن قيل يجوز أن يكون لأمر حال في محله قلنا ينقل الكلام إلى علة تشخص ذلك الأمر ويرجع آخر الأمر إلى المحل دفعا للدور والتسلسل وإذا كان تشخصه بمحله امتنع بقاؤه بالشخص عند انتقاله عن ذلك المحل ورد بأنا لا نسلم أن نسبة المنفصل إلى الكل على السواء لجواز أن يكون له نسبة خاصة إلى هذا التعين سيما إذا كان مختارا وهو ظاهر (3) أن العرض محتاج إلى المحل ضرورة فمحله المحتاج إليه إما أن يكون غير معين وهو ليس بموجود ضرورة أن كل موجود معين فيلزم أن يكون غير الموجود محلا للموجود وهو محال وإما أن يكون معينا فيمتنع مفارقته عنه وهو المطلوب ورد بأنه المعين بتعين ما سواء كان هذا أو ذاك كالجسم يحتاج إلى حيز ما كذلك ولا يمتنع انتقاله عنه وهذا هو المعنى بقولهم أن المحتاج إليه محل معين لا بعينه ولا يرد عليه أن ما يكون لا بعينه كان مبهما غير موجود والمرجع بقولهم أنه محل غير معين بمعنى أنه لا يشترط التعين وهو أعم من الذي يشترط اللاتعين فلا يلزم عدمه (4) أنه لو جاز انتقال العرض فهو حالة الانتقال إما أن يكون في المحل المنتقل عنه
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»