شرح المقاصد في علم الكلام - التفتازاني - ج ١ - الصفحة ١٤١
إذ يمكن وجود الجزء والموصوف مع عدم الكل والصفة وإن امتنع عكسه وأجاب بعضهم بأن المراد جواز الانفكاك من الجانبين لكن بحسب التعقل دون الخارج وكما يمكن أن يعقل وجود الصانع دون العالم كذلك يمكن أن يعقل وجود العالم ولا يعقل وجود الصانع بل يطلب بالبرهان وهذه العناية توافق ما نقل عن بعض المعتزلة أن الغيرين هما اللذان يصح أن يعلم أحدهما ويجهل الآخر ولفظ أحدهما لإبهامه كثيرا ما يقع موقع كل واحد منهما وما قيل أن الشيء قد يعلم من جهة دون جهة كالسواد يعلم أنه لون ويجهل أنه مستحيل البقاء فلو تغايرت الجهتان لزم كون العرض الواحد الغير المتجزي شيئين متغايرين ليس بشيء لأن تغاير جهتي الشيء لا يستلزم تغايره في نفسه فإن قيل العالم من حيث أنه معلول ومصنوع للصانع لا يمكن أن يعقل بدونه فيلزم أن لا يكونا متغايرين قلنا المعتبر في التغاير هو الانفكاك بحسب الذات والحقيقة ولا عبرة بالإضافات والاعتبارات والعالم باعتبار كونه معلولا للصانع من قبيل المضاف وقد أورد على القائلين بأن الغيرين موجودان يجوز انفكاكهما أنه لا انفكاك بين المتضايفين لا بحسب الخارج ولا بحسب التعقل فيلزم أن لا يكونا متغايرين فالتزموا ذلك وقالوا أنهما من حيث أنهما متضايفان ليسا بموجودين والغيران لا بد أن يكونا موجودين فإن قيل تغاير مثل الأب والابن والعلة والمعلول وسائر المتضايفات كالأخوين ضروري لا يمكن إنكاره قلنا الضروري هو التغاير بين الذاتين وأما مع وصف الإضافة فليسا بموجودين والتغاير عندهم من خواص الموجود وبمثل هذا يندفع ما يقال أن تعريف الغيرين لا يشمل الجوهر مع العرض ولا الاستطاعة مع الفعل لعدم الانفكاك وذلك لأنهما باعتبار الذات ممكن الانفكاك في التعقل بل في الخارج أيضا بأن يوجد هذا الجوهر بدون هذا العرض وبالعكس سيما عند من يقول بعدم بقاء الأعراض وأن يحصل هذا الفعل بخلق الله تعالى ضرورة من غير استطاعة العبد وأن يحصل بهذه الاستطاعة غير هذا الفعل سيما عند من يقول بأن الاستطاعة تصلح للضدين واعلم أن تقرير الاعتراض بالباري تعالى مع العالم والجواب بأن المراد الانفكاك تعقلا ورد جواب الآمدي ظاهر على ما ذكرناه وأما على ما نقل في المواقف من تقييد جواز الانفكاك بكونه في حيز أو عدم فينبغي أن يكون تقرير الاعتراض هو أنه يمتنع انفكاك الباري تعالى عن العالم في حيز أو عدم لامتناع تحيزه وعدمه وجواب الآمدي أنه وإن امتنع ذلك لكن لا يمتنع انفكاك العالم عنه لجواز تحيزه وعدمه دون الباري تعالى ورده أنه لا يكفي هذا القدر وإلا لزم تغاير الجزء والكل وكذا الموصوف والصفة لجواز أن ينعدم الكل دون الجزء والصفة دون الموصوف ولا يتأتى الجواب بأن المراد جواز الانفكاك تعقلا مالم يحذف قيد في حيز أو عدم لأن الباري تعالى لا ينفك عن العالم في حيز أو عدم بحسب التعقل أيضا لامتناع تحيزه وعدمه اللهم إلا أن يؤخذ التعقل
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»